جوانا عازار
يتمتّع التعليم الأكاديميّ في لبنان باهتمام خاصّ، فيما يقبع التعليم المهني في زوايا الإهمال. وينعكس ذلك سلباً على الطلاب، إذ يختار 6% منهم فقط المعاهد المهنية والتقنية، في حين تصل هذه النسبة في بلد كاليابان إلى 90%.
من هنا كان لا بدّ من انعقاد اللقاء التشاوري الأوّل لمديري المعاهد المهنيّة والتقنيّة الرسمية والخاصة في أقضية البترون، جبيل وكسروان، تحت عنوان «معاً نحو مستقبل مهني وتقني أفضل» في معهد دون بوسكو تكنيك في الفيدار ــ جبيل، بحضور ممثّل وزير التربية والتعليم العالي، المدير العام للتعليم المهني والتقني، الدكتور يوسف ضيا.
«الدولة تساهم في القضاء على التعليم المهني من دون أن تدري. فقسم كبير من برامج التعليم المهني غير مدروس، وهو ما يؤدّي إلى رسوب التلامذة في الشهادات الرسميّة... الدولة تعطي منحاً لمؤسسات دون غيرها، كما أنّ المساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعيّة توزّع لمنطقة واحدة: 90% منها لمنطقة واحدة و10% لبقيّة المناطق توزّع للمحسوبين على الوزراء والنوّاب»... «وضع التعليم المهني في لبنان سيّئ إذا أردنا المقارنة مع بلدان أخرى حيث الدولة أو البلديات تدفع أقساط الطلاب المهنيّين»... هكذا اختصر مديرو المعاهد وضع التعليم المهني والتقني في لبنان، مذكّرين بالفقرة 5 من وثيقة الوفاق الوطني التي تحدّد في بندها الرابع ضرورة تطوير التعليم المهني وإعطائه ما يلزم من اهتمام. وطالبوا بإعادة النظر في إعطاء التراخيص للجامعات الخاصة والمعاهد بسخاء، وفي امتناع الدولة عن تصنيف الشهادات المهنية. وأشاروا إلى ضرورة تغيير تسمية شهادة TS لتصبح معروفة عالمياً. كما أكدوا على ضرورة حلّ العراقيل في قانون 478، وهو قانون التصنيف الوظيفي الوحيد الذي يخدم التعليم المهني. تبعت المناقشات ورشة عمل لمديري المعاهد أعدها الإعلامي سالم خليفة، وتضمّنت ثلاثة محاور: أكاديمية، اقتصادية، وقانونية. واختتم اللقاء أعماله ببيان ختامي.
أكاديمياً، دعا اللقاء إلى العمل على رفع مستوى التعليم المهني والتقني من خلال تحسين المناهج وتحديثها وربطها بحاجات سوق العمل، ومتابعة النوعية على مستوى كفاءة المعلمين، إضافة إلى تقييم الوسائل التربوية العملية (كتب، محاضرات، أبحاث...)، وضع نظام تقييم مستديم للطلاب، تشجيع التوأمة مع معاهد فنية أجنبية ولبنانية مع مراعاة الشفافية في التعاطي مع الطلاب، العمل على إنشاء جهاز للإرشاد والتوعية للأهل وللطلاب ابتداء من المرحلة التكميلية، تفعيل العمل من خلال وسائل الإعلام، وأخيراً توحيد جهود المؤسسات المهنية والتقنية لفرض واقع جديد بغية الاهتمام الجدي بهذا القطاع من قبل الدولة.
أمّا على المستوى الاقتصادي، فقد نظر اللقاء بعين التفهم إلى الضائقة المالية التي يمر بها الأهل، مؤكّداً العمل على تأمين منح تعليمية للمتفوقين من الطلاب وللمحتاجين منهم. كما أشار إلى إمكان تأمين مساعدات خارجية في سبيل تطوير المختبرات وتأمين بناء مدرسي لائق، وإمكان التعاون بين المدارس والمؤسسات الميسورة مادياً مع المعاهد المهنية والتقنية.
قانونياً، وعد اللقاء بالعمل على تطوير القانون حتّى نصل إلى المساواة بين التعليم الأكاديمي والتعليم المهني والتقني بهدف الاعتراف بطبيعة التعليم الفني العالي، إضافة لتفعيل العمل النقابي من خلال توحيد النقابات المتعلقة بالقطاع وانتساب المدارس كافة إليها. كما دعا اللقاء إلى إعادة المبادرة الى المؤسسات التربوية والفنية والعمل على خلق شراكة فعلية بين التعليم الرسمي والخاص. واتُّفق على إنشاء لجنة متابعة بهدف تحقيق بنود البيان الختامي، من خلال عقد اجتماعات دورية وتنظيم ندوات فصلية لعرض النتائج على المديرين.
المدير العام للتعليم المهني والتقني الدكتور يوسف ضيا ألقى كلمة أكّد فيها أنّ الوزارة تعمل بجهد لتأمين المساعدات للطلاب في المعاهد الفنية والتقنية. واعترف بتقصير رسمي تجاه طلاب المعاهد التقنية، مؤكّداً أن وزير التربية يبذل ما في وسعه لتوفير المساعدة وأن الوزارة مع التوجه الذي طرحه المديرون في ما يتعلّق باعتماد نظام الوحدات وتعديل تسمية الشهادات واعتماد الكتاب المدرسي المهني الموحّد والنظر في موضوع الامتحانات. وأكّد ضيا أن التعليم المهني والتقني مرتبط بسوق العمل، وقد أصبح من العناصر الأساسية التي يرتكز عليها الاقتصاد الوطني، مؤكداً أنّ الجهود تبذل لتأهيل المعاهد وتجهيزها، لكنها تصطدم بمعوّقات عدة، مبرزاً المشاكل في الانتقال من اختصاص إلى آخر ومن التعليم المهني إلى الجامعي ومن ثم الانتقال إلى سوق العمل.