أنطوان سعد
تتجه العلاقات بين البطريركية المارونية والعماد ميشال عون إلى الترتيب وفتح صفحة جديدة بعد مرحلة من التباعد الناتجة من عدم التواصل والتنسيق بالقدر الكافي بين الطرفين في الفترة الأخيرة، وخصوصاً منذ توقيع ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله. ويبدو أن ثمة مسعى لتأليف لجنة تتولى متابعة المسألة من جانب العماد عون والدفع بها في اتجاه تحسين العلاقة بين الموقعين ومتابعة يومياتها وصولاً إلى تتويج الجهود بزيارة يقوم بها رئيس حزب التيار الوطني الحر إلى البطريركية المارونية.
وجرى التداول بأسماء النائبين من تكتل الإصلاح والتغيير إبراهيم كنعان وفريد الخازن وأحد المسؤولين في التيار آلان عون الذين حضروا مأدبة العشاء التي ضمت العماد ميشال عون وسبعة مطارنة موارنة في الثاني من تشرين الأول الجاري لتولي هذه المهمة الدقيقة ومتابعة هذا الملف. وتعتقد أوساط مطلعة بأنه «إذا تحقق هذا التقارب فسيؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتفاهم بين البطريرك والجنرال ستنعكس إيجابياً على الوضع المسيحي في التركيبة اللبنانية».
وعلى رغم الضوضاء والتصعيد الكلامي للعماد ميشال عون الذي ترددت أصداؤه بقوة في القواعد العونية الأحد الماضي، فإن الأوساط المراقبة لهذا المسعى تتوقع نجاحه نظراً إلى رغبة البطريرك الماروني نصر الله صفير الدائمة في الحفاظ على علاقة مودة مع جميع القيادات السياسية، ولاقتناعه بجدوى التنسيق الوثيق بين بكركي والقيادات السياسية وبخاصة المسيحية وفي مقدمها العماد عون رئيس الكتلة البرلمانية المسيحية الأكبر من أجل إعادة التوازن السياسي المفقود داخل المعادلة اللبنانية.
في المقابل، لا يقلّ العماد عون حرصاً على ترتيب العلاقة من أجل الأهداف نفسها، ولكن أيضاً بنظر خصومه من أجل الاستعداد للاستحقاق الرئاسي الذي ستكون للبطريرك صفير حتماً كلمة فيه، وليس بالتالي من المفيد أن تبقى العلاقة متوترة مع بكركي.
وقد شهدت الأيام الأخيرة بداية تحرك في هذا الاتجاه، وزار النائب إبراهيم كنعان البطريرك الماروني، وبحث معه المسائل العالقة وضرورة التنسيق بين الموقعين لتحقيق بعض المطالب الأساسية مثل اللامركزية الإدارية وقانوني الجنسية والانتخاب ومواجهة الخلل الحاصل في التعيينات في الإدارات العامة وسوء استعمال السلطة وتجاوز القوانين وخاصة في تأليف جهاز أمني جديد تابع لوزارة الداخلية. واستوضحه رأيه في بعض المواضيع ومنها البيان الأخير للمطارنة الموارنة. وقدّم كنعان من جهته إيضاحات لتساؤلات سيد بكركي الذي ارتاح إلى ما سمعه على أن توضع آلية لترجمته عملياً. فالبطريرك صفير ليس ضد العماد عون ولم يكن يوماً طرفاً مع أحد السياسيين ضد آخر، ولا يرتاح أبداً لكل محاولة لتصويره منحازاً إلى هذا الطرف أو ذاك، كما يحاول بعض الجهات السياسية المسيحية وغير المسيحية الإيحاء في الآونة الأخيرة وبخاصة بعد بيان المطارنة. ولا يستسيغ أن يستغل أي طرف سياسي منبر بكركي لاستهداف خصومه من الزعماء المسيحيين والإيحاء أن البطريرك صفير موافق على ما يدلي به أو يتبناه.
في المقابل، أبدى الجنرال عون في مجالسه في الآونة الأخيرة أكثر من مرة استعداده للمشاركة في أي مسعى تقوم به بكركي لتحديد ثوابت وطنية تُشكّل قاعدة مشتركة يلتزم مضمونها جميع الأطراف المعنيين في المرحلة السياسية الدقيقة التي يجتازها لبنان بغية ألا تتحول التعددية السياسية المسيحية القائمة إلى انقسام مؤذ. فتبقى بذلك المنافسة في إطارها الديموقراطي حيث يحتل كل طرف الموقع الذي يحدده تمثيله السياسي.
أما العلاقة بين البطريرك صفير والعماد عون طوال السنوات الثماني عشرة المنصرمة، أي منذ تعيينه رئيساً للحكومة الانتقالية في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، فكانت في أفضل الأحيان فاترة على رغم أن المنطلقات الفكرية السياسية بين الرجلين ونظرتهما إلى لبنـــــان ودور المسيحيين فيه متقاربة إلى حد بعيد. إذ قليلة جداً المرات التي أيّد فيها عون علناً مواقف سيد بكركي الذي كان يخوض المواجهة الشرسة نفسها ضد الهيمنة السورية على لبنان. فطوال السنوات الخمس عشرة المـــــاضية، اقتصر التأييد العلني على ثلاثة أو أربعة مواقف في الأعــــوام 1994 و1997 و2000، في منعطفات خطيرة شهدت تبدلات كبيرة علـــى الــــساحة اللبنانية.