عرفات حجازي
مع اقتراب انتهاء هدنة رمضان وتسارع عمليات الفرز والاصطفاف السياسي، فإن معركة تغيير الحكومة ستفتح باب الأزمة السياسية على مداه في ظل غياب المساحات الجامعة المشتركة. ووصل الطرفان إلى نقطة أصبح فيها التراجع الى الوراء مستحيلاً والتقدم الى الأمام طريقه محفوف بالمخاطر، ويعترف قادة المحورين بأن الوجه الآخر للمعركة التي ستفتح حول الحكومة هو المعركة على رئاسة الجمهورية، فالتيار الأكثري يتمسك بالحكومة الراهنة ويعتبرها خط الدفاع عن مكتسباته التي حققها مدى عام ونصف عام. وهو يمانع بقوة التغيير والتنازل عن الإمساك بمفاصل السلطة والقرار. ثم انه يعتبر ان حكومة السنيورة ورقة تفاوضية تسمح له بالإتيان برئيس للجمهورية من صفوفه أو قريب من نهجه.
أما قيادتا حزب الله والتيار الوطني الحر فقد قررتا الضغط بكل الوسائل لتغيير الحكومة وتصحيح التمثيل وتحقيق التوازن الوطني والمشاركة الحقيقية في الحكم، وقد أسهمت الحرب في شكل حاسم في توطيد دعائم الثقة بين الحزب والتيار اللذين قررا فتح معركة استعادة التوازن وتأليف حكومة جديدة يكون لهما وللفريق الذي يمثّلانه الثلث المعطل تحسّباً للمرحلة المقبلة الحافلة بالاستحقاقات الكبيرة، وخشيةً من تعذر الاتفاق على رئيس جديد ما يمنح الحكومة الراهنة السلطة كاملة وفق المادة 62 من الدستور.
وعليه فمن هي الجهة القادرة على إحداث تغيير في قواعد اللعبة في اتجاه واحد؟
يتفق المختلفون حتى الآن على مناشدة الرئيس نبيه بري التدخل. لكن الأخير يدرك أن الأمور بلغت، بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان، من الحدة والانقسام والتعقيد واهتزاز الثقة بين الطرفين ما يفوق قدرته على اجتراح الحلول. وهو بحكم معرفته بالدهاليز السياسية مقتنع بأن لكل فريق في الداخل خارجه الذي يؤثر فيه، ما دفعه الى العمل على توفير رعاية عربية لمشروع الحوار. على رغم ان الصيغة التي أُقيمت سابقاً لم تعد موجودة ولا بد من مقاربة جديدة له تأخذ في الاعتبار إفرازات العدوان وتداعياته وتستند الى “السيبة” التي شكلت رافعة الحوار وهي الثالوث المصري السعودي السوري.
ويقول مصدر سياسي رفيع متابع للحركة السياسية ان زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى السعودية تمثّل في أحد جوانبها نتيجة مساعي بري. ويعرب عن اعتقاده بأن فتح طريق بيروت ــ دمشق أصبح وشيكاً وان الملك عبد الله أبدى حرصاً على سلامة سوريا واستقرارها. وأكد المصدر ان ملامح ذوبان الجليد بدأت تظهر بين مصر وسوريا وان قمة قريبة ستجمع الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد قد تعقبها قمة ثلاثية تجمعهما مع الملك السعودي.
ويؤكد المصدر السياسي ان زيارة الأمين العام للجامعة العربية عمر موسى التي هي في ظاهرها للمشاركة في أعمال المجلس الاقتصادي الاجتماعي لكن باطنها يصب في إعادة إحياء المبادرة العربية التي سبق ان رعتها مصر والسعودية لتطبيع العلاقة بين لبنان وسوريا. ولأن لإيران دوراً لا يمكن إغفاله سواء من حيث نفوذها في لبنان أو دورها في المنطقة، قرر الرئيس بري زيارتها لاستكشاف امكانية مواصلة قيامه بترطيب الأجواء بينها وبين السعودية التي أبدت انفتاحها أمام رئيس المجلس النيابي لإعادة وصل ما انقطع بينها وبين حزب الله وبينها وبين ايران وسوريا، وهذا ما يطمئن إلى ان الحلول لمآزقنا الكثيرة بدأت تلوح في الأفق وإن تأخرت بعض الشيء.