صور ــ عـلي عطوي
تجاوز عدد ضحايا القنابل العنقودية العشرين قتيلاً.
ومع الأمطار الغزيرة التي تساقطت في الأيام الأخيرة، ستصبح لهذه القنابل حكايات ومآسٍ أكثر خطورة


إذا كان حظّ حسن زيّات (47عاماً) أن يسلم في الحرب، فلم ينعم بالسلم، حينَ وقعَ في شرك القنابل العنقوديّة، لدى قيامه برعي الماشية في خراج بلدة طير دبّا (قضاء صور)، وكان عليه أن يبتعد ولو قسراً، عن حقول الألغام المؤقتة، ويستريح قليلاً، كيّ يستأنف عمله من جديد.
أبو هيثم، وهو أب لتسعة أبناء، صمدَ طوال العدوان الإسرائيليّ على لبنان، ولم يترك أرضه. لم يكن يسعى في ذلك إلى تحقيق بطولة، بل اضطر مجبراً للبقاء إلى جانب رزقه ورأس ماله الوحيد، الذي يختصره بـ 250 رأس من الماشية، يعتاش منها هو وعائلته.
كان على عاتقه، أن يتحمّل أعباء الماشية، بما في ذلك تأمين المأكل والمأوى، الأمر الذي عرّضه للخطر مرّاتٍ ومرّات، ويقول: «يوميّاً كنت أسرق ساعة أو ساعتين من الوقت، وأذهب متل الحرامي لأسرح بالقطيع». ويضيف: «وقت اللي يصير فيه ضرب وغارات، كنت ضبّط أموري، واتخبّى بجنب شجرة، أو ورا صخرة».
بعدَ انتهاء الحرب، انتقلَ قلق أبو هيثم من غارات السماء إلى ألغام الأرض، ولم تثنه أخطارها عن العودة إلى العمَل متسلّحاً بالحَذر، رغم انفجار قنبلة عنقوديّة كانت على مقربة منه، وقد أدت إلى نفوق عشرة رؤوس من الماشية، قبلَ أيّام قليلة من إصابته ــ بحسب تأكيده ــ ويقول: «بطبيعة عملي أرى الكثير من القنابل العنقوديّة وأبتعد عنها، بعدَ أن أضع علامة حولها، وأخبر القوى الأمنيّة المختصّة»، لكنّه يكشف أنّ «المشكلة تبلغ مداها في الشتاء، لأنّ الألغام تندمل في الأرض وتغرق في التراب».
من جهتها، تؤكّد داليا فرّان، المسؤولة في فريق «ماغ» لنزع الألغام، أنّ "القنابل العنقوديّة الأكثر انتشاراً في الجنوب، هي من نوع إم 48، تنتشر على مساحات واسعة، وهي قابلة للانفجار في أيّ لحظة يتمّ الاحتكاك بها». وتضيف: «بعد انتهاء الحرب، بادرنا إلى إرسال فرق مسح للمناطق، لتقدير طبيعة الخطر وكيفية التعامل معه، وتبيّن أنّ المشكلة كبيرة جدّاً، فاقت جميع التقديرات التي كنّا نتوقعها».
وفي حين تقول: «إنّ من الصعوبة بمكان تقدير أعداد القنابل العنقوديّة»، تعطي رقماً تقديرياً، وهو «ما يجاوز المليون قنبلة ما زالت غير منفجرة». وتكشف «عن وجود كارثة تهدد سلامة الإنسان، عبرَ الإصابات اليوميّة التي يلقاها الأفراد جرّاء احتكاكهم بالقنابل العنقوديّة».
وتعدّ عمليّة زرع الألغام غير مكلفة وسهلة، مشيرة إلى أن عملية نزعها إحدى أخطر وأكثر العمليّات كلفة. وفي هذا الإطار، تشيد فرّان بموقف دولة الإمارات العربيّة المتّحدة «التي عادت لتقدّم إمكاناتها في مجال تفكيك ونزع الألغام والقنابل، بعدما أنهَت مهمّتها في السابق، عبر تنظيف جميع الأماكن الملوّثة بالألغام بعد اكتمال التحرير في العام 2000»، وتقول: «حتّى نهاية أيلول الماضي، اكتشف 608 مواقع فيها ألغام وذخائر غير منفجرة، وهذا ليسَ إلاّ جزءاً مما هو موجود بالفعل».
«حاليّاً (تقول فرّان) الأولويّة في نزع الألغام للأماكن السكنيّة المأهولة، والسبب عدم وجود فرق كافية لتغطية كامل المواقع، في الوقت والسّرعة نفسيهما». أمّا بالنّسبة للمناطق الزراعيّة، التي يشكّل الجنوب مساحة كبيرة من أراضيها، «فستكون الأولويّة فيها للموسم عن بقيّة المناطق الزراعيّة الاخرى، كالزيتون مثلاً».
وإذا كان المكتب الوطني لنزع الألغام، ينصح المواطنين بعدم التوجّه إلى حقولهم، فإنّ أبو هيثم يتوق للعودة إلى عمله، والسبب ببساطة كما يقول: «مصلحة ما فيي اتركها، وما في عندي بديل».