زفتا ــ عبير حمزة
يتشكل في منطقة النبطية نهر دافق من المياه المبتذلة، تنبت على ضفافها الأعشاب، التي يربو ارتفاعها على متر ونيّف. كما يأكل اليباس أشجار الزيتون والعرائش المغروسة على امتداد مجرى هذه المياه. ويصيب الضرر البيوت القريبة والمتواجدة على بعد لا يتجاوز المئة متر، عن ذاك المجرى في معظم القرى التي يعاني ساكنوها من انبعاث الروائح الكريهة، ومن تكاثر البكتيريا والجراثيم

تتفاقم مشكلة الصرف الصحي في منطقة النبطية، وذلك بسبب عدموجود شبكة عامة ومشتركة للصرف الصحي. وكذلك نتيجة البناء الذي استحدث في المنطقة، والنمو السكاني، ما أفضى الى اجتياح هذه المياه أودية بلدات: تول، الدوير، الشرقية، النميرية، الكوثرية، زفتا، المروانية، النجارية، تفاحتا، العدوسية، وصولاً الى العاقبية، فالبحر. وبات الأمر يشكّل كارثة بيئيّة وصحيّة واجتماعيّة، تنعكس آثارها على جميع هذه القرى، وخصوصاً في المنطقة الواقعة بين بلدتي النميرية وزفتا.
ونتيجة لهذا الواقع، تقدم بعض أصحاب العقارات المتضررة بدعوى رفع التعدي عن عقاراتهم ومزروعاتهم، على كل من بلدية النبطية و«شركة تول العقارية» المسؤولة عن إمداد خط الصرف الصحي من النبطية، عبر عقاراتها، الى وادي النميرية. هذا ما أكدته الدراسة التي أعدها رئيس بلدية النميرية علي زبيب. كما ألزم القضاء بالدعوى التي تقدم بها المحامي مصطفى مؤذن بحق «شركة تول العقارية» برفع الضرر اللاحق بالعقارات والمتمثل بتسرب المياه الآسنة الى تلك العقارات، وذلك وفقاً للأصول الفنية المعتمدة، الا أن شيئاً لم يتغير، وبقي الوضع على حاله. بل انه راح يزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، وخصوصاً أن الأمر لم يعد مقتصراً على مياه الصرف الصحي لمدينة النبطية، بل على قرى عديدة أصبحت تجرّ مياه صرفها الصحي الى الأودية الممتدة من تول الى العاقبية.
ولمّا كانت معظم الكوارث البيئية الكبرى تحدث بسبب تلوث المياه، فإنّ الكارثة الكبرى تتمثّل في وجود خمسين بئراً ارتوازية، أهمها بئر تفاحتا الذي يغذي قسماً كبيراً من منطقة النبطية وضواحيها من مياه الشفة؛ إذ إن مصدر هذه الآبار جميعها هو جوف الأرض الذي يحتضن المياه المبتذلة منذ عشرات السنين، ما يهدد أكثر من خمسين ألف نسمة يعيشون في المناطق المحاذية لمجرى هذه المياه، ويشربون من مياه هذه الأودية، فضلاً عما لا يقلّ عن ألف دونم من الأراضي والبساتين، ما بين مدينة النبطية وبلدة المروانية، التي كانت قابلة للحياة والاستثمار بفضل المزارعين، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مرغمين على هجرها بسبب المياه المبتذلة التي تطفو على وجه الأرض، والتي طالما ظنّها البعض نهراً من أنهار لبنان الداخلية، فيدنون للجلوس على ضفتيه، ولكن سرعان ما يهرولون ذاهبين بعد اكتشاف حقيقته القاتلة.
كما تقدم رؤساء بلديات القرى المتضررة بمناشدة الى «المفوضية الأوروبية» وإلى مجلس الإنماء والإعمار، للعمل على حل هذه المعاناة، مشيرين الى أن معاناتهم أكبر من أن تتصدى لها بلديات أو أشخاص، بل هي بحاجة الى إمكانات مادية وفنية على مستوى عال جداً، «علماً أن القوانين الدولية تحرّم الترخيص لصرف أي مخلفات آدمية أو حيوانية أو مياه الصرف الصحي الى مسطحات المياه العذبة أو خزانات المياه الجوفية».
وما يزيد الطين بلةّ أن رعاة الماشية يتوجهون بقطعانهم الى ضفاف المجرى، ما ينذر باحتمال انتقال الأمراض بطريقة غير مباشرة الى الإنسان، ناهيك عن أن بعض المواطنين يزرعون ضفاف المجرى الذي يكون قد أشبع بالمياه المبتذلة شتاء، ويبيعون محصوله «المميز» لعامة الناس.
ويشير رئيس بلدية النميرية علي زبيب الى أن هذه المنطقة ظلمت، مؤكداً أنه «لم يُترك باب لحل هذه الكارثة إلا تمّ قرعه، إلا أن الموضوع يحال من واحد الى آخر من دون العمل على حل هذه الأزمة؛ حتى أنه قبل وجود البلديات كان الأهالي يحاولون الوصول الى فك لغز هذه الكارثة والوصول الى كنه أسرار حلها ولكن دون جدوى».
ويبقى أنّ هذه الكارثة تزداد تفاقماً مع مرور الأيام والأشهر والسنوات والتوسع العمراني والنمو الديموغرافي لقرى المنطقة. فالأوبئة تدق أبواب الصحة العامة، وصراخ الناس يعلو بأن أغيثونا قبل أن يجرفنا نهر المياه الآسنة في مجرى وبائه، فهل من مغيث؟