البترون - ريتا شاهين
تعدّ محكمة البترون أقدم محاكم لبنان على الاطلاق، لان مدينة البترون عرفت منذ أواسط القرن الثامن عشر باتساع رقعتها الجغرافية حيث كانت تشمل منطقتي زغرتا الزاوية وبشري في الشمال وصولاً الى بعلبك الهرمل في البقاع. ويروى أن عمر هذه المحكمة يناهز قرنين وثلاثة عقود. فقد أسسها عام 1770 الشيخ سمعان البيطار الذي عينه الأمير يوسف الشهابي حاكماً على هذه المنطقة، وذلك بعدما نجحت الحملة التي قادها الأخير عام 1764 وحرر خلالها المناطق المعروفة ببلاد البترون من حكم الحماديين، فجعل منها البيطار مرجعاً استئنافياً لقرارات مشايخ العلم في القرى، وكانت صلاحية هذه المحكمة تمتد من البترون ساحلاً الى الهرمل بقاعاًَ.
وفي عهد المتصرفية أصبحت محكمة البترون تشمل اقضية البترون، الكورة، زغرتا وبشري، بعد تغيير النظام. وكان لها مقر شتوي في البترون، وآخر صيفي في بشري وهي محكمة ابتدائية في قراراتها. أما اليوم فبات لقضاء البترون محكمتان: الاولى في المدينة تشغل جناحاً في الطابق الثاني من مبنى السرايا، وتشمل صلاحياتها المكانية مدينة البترون (مركز القضاء)، وعدداً من قرى المنطقة الساحلية والوسط. والثانية: محكمة دوما، وتشمل صلاحيتها جميع قرى الجرد البتروني وبلداته، وهو مبنى قديم خاص ملاصق لكنيستي البلدة الشهيرتين (الموارنة والروم).
ويمكن زائر محكمة البترون اليوم أن يدرك أن القديم ما زال على قدمه، إذ لم يطرأ على وضعها تحسين ولا تنظيم ولا تطوير، باستثناء تغيير واحد هو محو وإزالة المبنى الأثري للمحكمة التي نقلت الى السرايا، حيث نال الاهمال منها وأتى على ملفاتها، فأُتلف محتواها قبل أن يجد من يرفعها عن الأرض ويحفظها.
تعقد الجلسات في محكمة البترون يومي الاثنين والاربعاء فتمتلئ ردهات السرايا خلالها بالمتقاضين وبوكلائهم المحامين، وخصوصاً انها تفتقر إلى قاعات انتظار أو حتى مقاعد للجلوس سوى أرض الردهات والسلالم التي يفترشها الناس للتخفيف من عناء الوقوف والانتظار. اضافة الى عدم وجود المراحيض الضرورية جداً للمنتظرين لساعات طويلة. وحالات الاستياء هذه لا تقتصر على المتقاضين فحسب، فالشكوى لسان حال المحامين أيضاً، الذين خصصت لهم قاعة صغيرة جداً لا تتعدى مساحتها تسعة أمتار مربعة، بحيث لا توفر لهم الراحة، وتفتقر الى المقاعد والكراسي. فاذا كانت أبسط الحاجيات مفقودة في هذه المحكمة، فما بالك بالمكننة والأجهزة التقنية التي لم تمر بعد من هناك. اللافت انه لا يوجد في محكمة البترون سوى غرفة واحدة مخصصة للقاضيين اللذين ينظران في الدعاوى، ما يتعارض مع ضرورات عملهم.