غسّان سعود
اليوم بيان، وغداً تظاهرة. تحرّك آخر ولافتات باتت شعاراتها جزءاً من ثقافة «تجمُّع أصحاب الحقوق في وسط بيروت التجاري»، ويومياتهم. ومن صخب التظاهرات في الشارع، والسكتة القلبية أمام الإعلام المرئي جرّاء الضغط، إلى أسئلة جديدة يطرحها التجمّع، بعدما عُلِم بمحاولات سوليدير التوسع خارج لبنان.
السؤال الأول: هل أنجزت سوليدير مهمتها الأصلية في وسط بيروت وأنهت إعمار المنطقة وأشغال الردم البحري كي تنتقل إلى مهمة أخرى؟ والثاني: هل نجحت سوليدير في إعادة أصحاب الحقوق والتجار والزبائن إلى وسط بيروت ونالت رضا مجتمعها ومساهميها على أعمالها؟ أما الثالث: فهل نجحت سوليدير بعد ثلاثة عشر عاماً في مهمتها بإعادة خلق وسط تجاري لجميع اللبنانيين كي تنجح بتقديم خدماتها هذه لمدن أخرى في العالم؟
في التفاصيل، ثمة «تهريبة أخرى»، بحسب رئيسة التجمع، السيدة ريّا الداعوق. فقد حاولت شركة سوليدير مرتين عقد جمعية عمومية للمساهمين لإضافة بند إلى النظام الأساسي للشركة، الذي ينص على «تقديم استشارات وخدمات لمشاريع أخرى، خارج النطاق الجغرافي للوسط التجاري في بيروت وفي مختلف أنحاء العالم».
لكن المحاولتين فشلتا. فلجأت سوليدير، بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي، إلى ادعّاء رغبتها في توزيع بعض الأرباح لـ«أصحاب الحقوق في الوسط». فتوجه المعنيون إلى المصارف لقبض أموالهم، لكنهم فوجئوا بحضور بعض الأشخاص التابعين لسوليدير الذين أخبروهم بضرورة التوقيع على ورقة تتيح للشركة تمثيلهم في الجمعية العمومية المقبلة، قبل الحصول على الأموال. هكذا ودون اطّلاع على التفاصيل أو الغايات، وقّع كثيرون على التكاليف، وفقاً للداعوق.
ولاحقاً، حددت سوليدير يوم 13 تشرين الثاني 2006 موعداً لعقد جمعية عمومية غير عادية، لتمرير التعديل بعد الحصول على موافقة 75% من الأعضاء، الأمر الذي يشكّل، في حال حصوله، مخالفة للقانون الناظم للشركة، وفقاً للتجمع، كما يُضر بالشركة ومساهميها. فالشركة ذات صفة عامة وتخضع للقانون 117/91 الذي ينص على أن موضوع الشركات المنشأة بموجبه هو «إعادة ترتيب وضعية وإعمار منطقة أو أكثر من المناطق المتضررة في لبنان بسبب الأحداث الأمنية».
من جهة أخرى، فإن دخول سوليدير في مشاريع أخرى، سيحوِّل طاقات الشركة إلى غير مهمّتها في بيروت. وسيوجه أرباحها وأموالها إلى مشاريع جديدة في الخارج. وتساءل التجمّع، إذا كان ثمة رابط بين تعديل قانون الشركة للسماح لها بالتمدد خارج لبنان وبين المشروع الذي أعلن عنه في منطقة العقبة في الأردن، علماً أن «التهريبة» الحالية، إذا مرّت، لن تكون الأولى أو الأخيرة. فملف سوليدير والوسط التجاري مثقل بالفضائح، كما يقول البعض. وأبرز الفضائح، ملف الأملاك البحرية وردم البحر، وعدم تعيين مندوب للحكومة يُشرف على أعمال الشركة العقارية. ويقول البعض إن نتائج الحملة الجديدة محكومة مسبقاً بالسلبية، بعد أن تكررت الخيبات، واستمرت سوليدير. وخصوصاً بعد أن مدد لها مجلس الوزراء في الأول من كانون الأول 2005 عشر سنوات أخرى لاستثمار الوسط التجاري، متجاهلاً «صرخات أصحاب الحقوق ونقمة أهالي الوسط التجاري والمصلحة الوطنية العامة ومنطوق الأنظمة والقوانين والدستور».
ويعيد التحرك الأخير تسليط الضوء على قضية بدأت عام 1992، حين قررت الدولة إعادة إعمار وسط بيروت، وعهدت لشركة سوليدير، التي كانت قد تأسست حديثاً لهذا الغرض، القيام بهذا الأمر. وشُكلت وقتها لجان لتقدير قيمة الأراضي والعقارات التي استملكتها سوليدير. ومُنح أصحابها، بناءً على هذا التقدير، أسهماً في الشركة. لكن بعض أصحاب العقارات اعترضوا على هذا الإجراء، غير أن القانون «فرض نفسه» وأخليت العقارات.
وبينما كان أصحاب الحقوق يعتصمون للمرّة الأخيرة في وسط بيروت، للمطالبة بالحفاظ على «التراث العالمي» في مدينتهم، كان برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية يقدّم «جائزة شرف» للرئيس الشهيد رفيق الحريري تقديراً لإشرافه على إعادة إعمار لبنان، وخصوصاً بيروت.