نعمت بدر الدين
أوضح وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ في حوار مع «الأخبار» أن السياسة الخارجية للبنان تنطلق من ثوابت ومسلمات أرست تفاهمات وطنية غير قابلة للتشكيك، لافتاً إلى أن الانقسامات والتباين في الآراء يصعّبان عمل وزارة الخارجية

¶ تختلف الآراء في السياسة الخارجية للبنان بعد الانسحاب السوري منه، وقوى الأكثرية تتحدث عن سياسة جديدة تُكرَّس بالممارسة، فهل تغيرت أولويات السياسة الخارجية للبنان، وهل انتقل لبنان من موقع الالتزام بالقضايا العربية إلى جبهة المعتدلين التي تبنتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس؟
ــــــ السياسة الخارجية اللبنانية هي نتاج المؤسسات الدستورية ونتاج التوافق الوطني اللبناني الذي يُعَبَّر عنه آخذاً بالاعتبار كل مشاغل وتطلعات اللبنانيين. كما أن سياستنا الخارجية لا تسبح في فراغ، بل تنطلق من ثوابت ومسلمات اعتمدها اللبنانيون بعد تجارب عديدة ومراحل مختلفة أدت بهم إلى إرساء تفاهمات وطنية غير قابلة للتشكيك، وفي مقدمة هذه المسلمات نهائية الكيان ووحدته وعروبة لبنان وتبنيه الكامل لقضايا العرب وتضامنه معهم في هذه القضايا، وخاصة أنه جزء من قضية العرب المركزية وهي قضية فلسطين.
إذن فالسياسة الخارجية اللبنانية هي وليدة كل هذه العناصر ووليدة تجارب لبنان المريرة والدموية مع إسرائيل، تلك التجارب التي تجعل من إسرائيل عدواً لحين قبولها بالسلام العادل والشامل. وتلك التجارب تفرض تحصين مناعة لبنان، واستجماع مقومات صموده وإطلاق رسالته القائمة على القانون والعدالة والاعتدال الملتزم، وعلى علاقات صادقة مع سائر الدول الشقيقة والصديقة وفق مصلحة لبنان كما يراها أبناؤه. تلك هي الأولويات في السياسة الخارجية، وهي غير قابلة للتعديل لأنها مرتبطة بهوية وباقتناع شعبي وبالذاكرة الجماعية للشعب اللبناني.
مجلس الوزراء والوزارة
¶ هل يمكن وزارة الخارجية في ظل الوضع الحكومي والسياسي الراهن التوفيق بين السياستين الخارجية للفريقين الأساسيين في لبنان؟
ــــــ وزارة الخارجية تعمل في اتجاهين. فمن جهة تعبّر عمّا يتفق عليه اللبنانيون عبر ممثليهم في مجلس الوزراء، ومن جهة أخرى تبادر باقتراح ما فيه مصلحة لبنان ليؤخذ به ويُعتمد. وهذا هو الدور المنوط بوزارة الخارجية في سائر الدول التي تحتوي تعدداً في الآراء.
كما أن دستورنا يتحسب لتعدد الآراء في المجتمع السياسي اللبناني، لذلك فقد أناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء الذي يدرس المواضيع ويتخذ القرارات بشأنها توافقياً. لا شك أن الانقسامات والتباينات تجعل مهمة وزارة الخارجية أصعب، لكن المصلحة اللبنانية العليا سرعان ما تعود لتأخذ المكانة الأولى، وهناك دائماً مجال للحكمة والتعقل والتفكير الهادئ للبحث في هذه المصلحة واعتمادها.
متابعة تنفيذ 1701
¶ كيف تقوم وزارة الخارجية بمتابعة حسن تنفيذ القرار 1701ميدانياً؟ هل يوجد فريق من الديبلوماسيين يدقق في ما يجري على أرض الواقع وما نص عليه القرار المذكور؟ وهل تُعَدُّ الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول كألمانيا مثلاً، استعادة لمشروع القرار الفرنسي الأميركي الذي عُدِّل؟
ــــــ المتابعة الميدانية ليست من مسؤولية وزارة الخارجية، فهناك أجهزة عسكرية وأمنية تتولى هذا الموضوع بالتعاون مع «اليونيفيل». نحن من جهتنا نقوم بتوضيح البعد القانوني للقرار 1701 والصلاحيات اللبنانية، لأنه ليس صادراً وفق الفصل السابع. أما التعاون الثنائي الذي يتم مع بعض الدول، فهو ناشئ عن القرار اللبناني وفق السيادة اللبنانية، وفي إطار أولوية الصلاحية للسلطات اللبنانية، وهو مرتبط دائماً بالمصلحة اللبنانية ما دامت هي مؤمنة.
¶ هل أنت راض عن التشكيلات التي حصلت، وهل اختلفت عما قدمته في مشروعك، وكيف استطعت النجاح في هذه الخطوة في ظل الجو السياسي المعقّد؟
ــــــ لقد عملت منذ اللحظة الأولى لوصولي إلى الوزارة على إنضاج مشروع التشكيلات الديبلوماسية، وقد حرصت على أن يراعي الكفاءة والمهنية والبعد عن الانحياز.
كما أنني لم أعمد إلى استثمار التشكيلات سياسياً، ولم أبغِ منها بناء أمجاد شخصية، لذلك فقد عملت بصمت ضمن حلقة ضيقة في الوزارة، وكذلك على صعيد تأمين الإطار السياسي المطلوب لتمرير التشيكلات. هذا الأسلوب أقنع الجميع بأن هناك مصلحة وطنية حقيقية في إصدار هذه التشكيلات، وخصوصاً في قطاع حيوي كالسلك الخارجي، المناقلات والتشكيلات الوظيفية تدخل في إطار العمل الروتيني الذي يقوم به أي وزير في سياق تسيير أعمال وزارته، ويفترض أنها وسيلة لتفعيل الأداء وليست غاية قائمة بذاتها، فأنا آت من مدرسة في الوظيفة تنأى بنفسها عن الاستثمار السياسي وعن أجواء التجاذب والتفرقة.
وأعتقد أن افضل طريقة للتعامل مع الإدارة العامة مستقبلاً هي في إعادة الاعتبار لهذه المدرسة في التفكير بحيث يكون الموظف صاحب رسالة وطنية منزهة عن التجاذبات.
التجاوز غير مسموح
¶ كيف ترد على الأقاويل بأن السياسة الخارجية للبنان باتت تصنع في السرايا الحكومية؟
ــــــ السياسة الخارجية اللبنانية وفق الدستور تصنع في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الخارجية، السرايا موقع أساسي ومحوري في البلاد لكونه مقراً رئيسياً لمجلس الوزراء الذي ينيط به الدستور صلاحيات أساسية في تسيير أمور الدولة.
من جهتي لا أحبذ ممارسة المسؤولية من باب التجاذب الصاخب، بل إني على اقتناع بأن البلاد لا تحتاج إلى مزيد من التوتير، وإن الهدوء والعقلانية كفيلان بأن ينال كل ذي حق حقه. أنا مقتنع بأن التعاون بين متولي المسؤوليات العامة أمر ضروري لأن الصلاحية الدستورية مهما كانت مكرسة في الدستور، فلا يستطيع المسؤول ممارستها من دون التعاون مع الآخرين، وخصوصاً في نظام كالنظام اللبناني. دولة الرئيس فؤاد السنيورة لديه هذا الاقتناع أيضاً، وهذا كفيل بالتعامل مع كل الأمور بهدوء ومن دون ضجيج ولا صخب، على قاعدة أن وزارة الخارجية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية ومن غير المسموح تجاوز هذا الأمر.
قضية الغجر
¶ ذكرت في تصريح لك إثر لقاء مع الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون أن استمرار احتلال إسرائيل للجزء الثاني من بلدة الغجر يمكن أن يؤدي إلى أمور أخرى لسنا بحاجة إليها. ماذا تقصد بقولك هذا؟
ــــــ استمرار احتلال إسرائيل للجزء اللبناني من قرية الغجر هو خرق فاضح للقرار 1701، ونتوقع الشيء نفسه من الطرف الآخر، لأن القرار يهدف إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وبالتالي فإن طرحه لا يساعد على ذلك، الأمور هي قيد المعالجة بوساطة من اليونيفيل لكن الموضوع يجب ألا يستمر أكثر من ذلك.
الحكومة اللبنانية راغبة بتعزيز الأمن والاستقرار وهي تقوم بكل جهد من أجل ذلك، لكن إسرائيل تحاول المماطلة والتملص من موجبات القانون الدولي، وهذا لا يساعد أبداً في ما نعمل ويعمل المجتمع الدولي عليه.