ابراهيم الأمين
دخل الاميركيون بقوة على خط حماية الحكومة. وبدل الاكتفاء بتصريحات عامة تدعم الحكومة، بادروا الى خطة عملية بالتوافق مع الجانب الفرنسي، تقوم على قاعدة الإسراع في تأليف المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع ما يتطلب ذلك من خطوات في لبنان، ومن جهة ثانية في رفع معنويات الفريق الداخلي الحليف من خلال القول بأن التوازن الداخلي يتأثر حكماً بالعناصر الخارجية، وان على فريق الاكثرية الاستفادة بقوة من الوجود العسكري للقوات الدولية في الجنوب، بينما يتولى الجانبان الاميركي والفرنسي في بيروت القيام بما يلزم لدعم الحكومة.
على صعيد المحكمة، ذكرت مصادر مطلعة ان الجهود الاميركية والفرنسية تعمل بقوة على توفير اغلبية قوية في مجلس الوزراء اللبناني تدعم المشروع مرفقاً بالتعديلات المطلوبة. وتشير المصادر الى ان النشاط المذكور أحرز تقدماً كبيراً في جذب وزيري الدفاع والعدل الياس المر وشارل رزق الى جانب فريق الاكثرية، وان وزير الدفاع ناقش ايضاً مع وزير البيئة يعقوب الصراف امر الوضع الحكومي وسأله ذات مرة: إذا تقدمت أنا باستقالتي فهل تفعل ذلك فرد الاخير بنعم، ولاحقاً عاد المر وسأل الصراف السؤال نفسه ولكن بطريقة معكوسة: إذا بقيت انا في الحكومة فهل تبقى انت فيها، فرد الاخير: سبق ان قلت لك إنني معك إذا قررت الاستقالة أما خلاف ذلك فالأمر يحتاج الى نقاش.
من جانب رزق يبدو الأمر اكثر تعقيداً، بعدما قرر الاخير المضي قدماً في بناء علاقة تقوم على فرضية ان الاستحقاق الرئاسي في ظل الانقسام الداخلي لن يذهب في مصلحة أي مرشح يمثل طرفاً في النزاع، وأنه يمكنه احتلال الموقع الوسطي الذي يتيح له احتلال موقع متقدم في لائحة المرشحين للرئاسة، وأنه يدرك اهمية الدور الذي تقوم به فرنسا والولايات المتحدة دون ان يقطع صلته بالآخرين. علماً بأنه لم يتأخر في تخفيف علاقته بالرئيس إميل لحود إذا كان في ذلك ما يساعده على تعزيز موقعه عند الآخرين.
ومع ذلك فإن الأمر يتصل بالدور المباشر للدبلوماسية الاميركية، وهو ما كان محور مناقشة المسؤول الاميركي روبرت دانن الذي عقد اجتماعاً مفصلاً مع عدد من أقطاب 14 آذار في مقر السفارة في عوكر مساء أول من أمس وكرر فيه ان حكومته تقف خلف الحكومة اللبنانية وهي ترفض ما وصفه بـ“العمل السوري ـــ الإيراني مع قوى لبنانية على تطيير الحكومة”. وشرح أفكاراً مختلفة لتقديم مساعدات للبنان وللجيش اللبناني من أجل تعزيز قدراته والقيام بدور يسهل إعادة فتح ملف سلاح المقاومة، برغم انه سمع كلاماً اكثر واقعية حيال هذه النقطة، الا انه تحدث عن مساعي بلاده لسحب الذرائع بما في ذلك الانسحاب من مزارع شبعا.
ومع ان البعض أسمعه كلاماً واضحاً على الأحلاف الداخلية، كان مسيحيو الاكثرية يهتمون بشرح الواقع الشعبي للقوى السياسية، وأقروا بأن العماد ميشال عون يمثل قوة أساسية ولكنهم تحدثوا للسفير الأميركي عن مناصفة جدية في الشارع المسيحي، ما اقتضى إشارة من بعض أركان 14 آذار بأن اي اجتماع بين المسؤول الاميركي والعماد عون من شأنه تعزيز موقع الطرف الآخر لأن عون بات جزءاً من الحلف الآخر. وبرغم ان اجتماع المسؤول الاميركي بالعماد عون كان مقرراً إلا أن السفارة الاميركية ألغته بحجة تعديلات على برنامج عمل المسؤول، الذي قصد امس الشمال وعقد اجتماعات مهمة بينها لقاء مع النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، حيث عرض معه التطورات من كل النواحي.
وكان المسؤول الاميركي مهتماً بسماع رأي فرنجية في مستقبل الوضع الحكومي. وبعدما تحدث عن دعم بلاده للحكومة الحالية ورفضها للتدخل السوري ـــ الإيراني في شؤون لبنان الداخلية، توجّه الى فرنجية بسؤال مباشر: هل ستنزلون الى الشارع لإسقاط الحكومة؟
رد فرنجية بأن الأمر لا يتعلق بحركة من هذا النوع او غيره، نحن نريد القيام بالتحرك الذي نراه ضرورياً وضمن الأطر الديموقراطية للتعبير عن رأينا، وإذا كنتم مع الحكومة فإن المهم ان يكون موقفكم الى جانب الديموقراطية، وبالتالي فالأمر لا يتعلق بالنزول الى الشارع او عدمه. وحاول المسؤول الاميركي الاشارة مباشرة الى ان حكومته تدعم الحكومة الحالية، وهي ترفض التدخل السوري والايراني، فرد فرنجية بأن على الجميع ان يكونوا ضد كل انواع التدخل بما فيه التدخل الاميركي والفرنسي، وأن التحرك يهدف الى تحسين التمثيل السياسي للقوى صاحبة التمثيل الجدي في الشارع.
وبدا ان المسؤول الأميركي متأثر بما سمعه من مسيحيي السلطة عن واقع التمثيل المسيحي، فقال لفرنجية: ولكن الشارع المسيحي لا يمثله عون فقط، بل إن هناك نصف الشارع مع الطرف الآخر. فرد فرنجية: لماذا لا نحسم الأمر على شكل إحصاء شعبي، وعندها نعرف من هو الأكثر تمثيلاً. وإذا كان الفريق الآخر يريد العمل فقط من داخل المجلس النيابي الحالي فإن عون يمثل كتلة نيابية كبيرة. وبالتالي فإن البحث عن اكثرية شعبية او عن اكثرية نيابية يوجب التعامل بطريقة مختلفة عما عليه الواقع الآن.
ومع أن المسؤول الاميركي يهتم كما هي العادة بسلاح المقاومة فهو لم ينس ان يسأل فرنجية عن تقديره للظرف الذي يتخلى فيه حزب الله عن سلاحه وكرر الاخير له الثوابت التي يعرفها الجميع والتي تتعلق بإنهاء الاحتلال وإطلاق سراح الاسرى ووقف التهديدات الاسرائيلية وقيام حكومة وطنية تمثل الجميع وتوفر الطمأنينة للجميع وقال له: لا أعتقد انها شروط تعجيزية.
إلا أن النشاط المركزي الآن يتصل بما يمكن ان تقدمه الاكثرية ومن يدعمها عربياً ودولياً في سبيل تحويل مسعى الرئيس نبيه بري الى مبادرة عملية، وحتى اللحظة ليست هناك إشارة عملية بل على العكس هناك سلوك اكثرية داخل مجلس الوزراء وخارجه وفي الشارع ايضاً، وامتناع عن الاهتمام بمطالب المعارضة ومكابرة في تقدير ميزان القوى في الشارع بما يقود الى استنتاج بسيط مفاده: الجميع يسير في أسرع مما كان متوقعاً الى مواجهة قد تكون الاقسى سياسياً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.