ابراهيم عوض
أظهر الاتهام الأخير الذي وجهه وزير الداخلية والبلديات بالوكالة الدكتور أحمد فتفت إلى سوريا، معلناً تلقيه تهديدات مباشرة منها، استمرار سريان مفعول التوجه السوري بعدم الرد على المواقف والانتقادات اللبنانية التي تطالها مهما بلغت حدتها والذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة أشهر، من منطلق أن الموضوع اللبناني لم يعد أولوية في السياسة السورية، كما أن تجاهل هذا النوع من التصريحات يؤدي الى انخفاض مفعولها ومن ثم تبخرها.
ولاحظ المتابعون لحركة المشهد السياسي بين دمشق وبيروت خلو الصحف السورية «تشرين» و«البعث» و«الثورة» منذ مدة من أي هجوم أو تعليق أو رد مباشر على قادة وأطراف سياسيين لبنانيين معارضين لسوريا، كما كانت تفعل من قبل، إذ اقتصر الأمر على مقالات وتحاليل تتناول مواضيع وقضايا لبنانية، أبرزها في الوقت الحاضر الحرب الاسرائيلية على لبنان وانتصار المقاومة فيها.
وما التزمت به الصحف المصنّفة «رسمية»، انسحب أيضاً على صحيفة «الاقتصادية» الأسبوعية الخاصة، التي سبق لها أن شنّت قبل أشهر حملات عنيفة استهدفت بصورة خاصة رئيس كتلة “تيار المستقبل” النيابية، سعد الدين الحريري، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.
بدورهم يحرص المسؤولون السوريون حالياً على عدم الدخول في سجال إعلامي يتعلق بالشأن اللبناني، كما يمتنعون عن الرد على الأسئلة التي توجه اليهم لمعرفة رأيهم في الانتقادات الموجهة إلى سوريا ونظامها، وهذا ما بدا واضحاً حين تجاهل وزير الإعلام السوري محسن بلال، وكذلك «المصادر» على أنواعها، الهجوم العنيف الذي شنه الحريري على الرئيس بشار الأسد شخصياً، في أول خطاب له بعد عودته من الخارج وتوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان، وما أدلى به جنبلاط وبعض نوابه من تصاريح لاذعة تعليقاً على أحاديث صحافية للأسد، وأخيراً ما ساقه الوزير فتفت من اتهام خطير ضد سوريا، قد يكتسب أهمية خاصة كونه صادراً عن وزير داخلية لبنان.
ويكاد الوزير بلال يختصر التعاطي الرسمي مع هذا النمط من الخطاب السياسي والمواقف اللبنانية بقوله إنه “لا يعيرها اهتماماً ويمتنع عن الرد عليها”، فيما نقل عن مسؤول سوري في مجلس خاص امتعاضه من كلام فتفت، متهماً إياه “باختراع مثل هذه القصص والروايات”، واصفاً من أسماهم الأخير بمقربين من سوريا زوّدوه بالمعلومات التي بنى عليها اتهامه بأنهم «منتحلو صفة»، مؤكداً “أن سوريا لا تصدّر إلا الخير للبنان وهي حريصة على أمنه واستقراره وسلامة أبنائه كحرصها على مواطنيها”. وتوجّه المسؤول السوري نفسه الى المطالبين بإقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين وفتح سفارات متسائلاً: «كيف ستكون عليه الحال لو كانت هناك مثل هذه العلاقات، وطلع علينا وزير الداخلية اللبناني بمثل ما يقوله اليوم؟ ليس رفع مستوى التمثيل بالتأكيد».
كلام المسؤول السوري بلغ مسامع الوزير فتفت، فرد عليه بالتأكيد على امتلاكه إثباتات تدحض المزاعم السورية وتدعم صحة أقواله. ونقل عنه مقربون أنه يحتفظ بمستند خاص بشأن هذا الموضوع وضعه «تحت وسادته» بحيث يتم الكشف عنه في الوقت المناسب.
وبما أن «العلاقات الديبلوماسية» بين لبنان وسوريا تشكل بنداً رئيسياً على جدول الأعمال الذي يطالب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالتفاهم بشأنه قبل زيارته دمشق، تساءلت أوساط سياسية في كل من دمشق وبيروت عن الجديد في موضوع الزيارة، وخصوصاً بعد تلقّي السنيورة ترحيباً جديداً من الأسد بقدومه، وفق ما أفاد الرئيس سليم الحص بعد لقائه الرئيس السوري في دمشق قبل أيام، وإن كان الأخير قد أبدى ملاحظة بهذا الشأن مفادها أن السنيورة تلقّى ثلاث دعوات لزيارة العاصمة السورية من دون أن يلبي أياً منها. وذكرت مصادر لبنانية متابعة لموضوع الزيارة أن المسؤولين السوريين أبلغوا السنيورة أن في إمكانه طرح ما يشاء من المسائل والأمور التي يريد بتّها والخروج بحلول لها، ويعتبرون هذا العرض أكثر من جدول أعمال وأشمل، متمنين في الوقت نفسه أن تنطلق الزيارة تحت عنوان «كسر الجليد وإعادة بناء الثقة بين البلدين»، الأمر الذي لم يلقَ قبولاً عند رئيس الحكومة، فبقي متمسكاً بضرورة الاتفاق على جدول الأعمال قبل إتمام الزيارة، متذرعاً بأن الأسد هو من طلب ذلك حين التقاه في قمة الخرطوم الأخيرة. علماً بأن آخر تطورات الزيارة ما قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، من أنّ الرئيس السنيورة لا يجرؤ على القيام بالزيارة “ما لم يصدر أمر عمليات من الخارج”، ورد رئيس الحكومة عليه مستعيناً بقول الإمام علي «ليت لي عنقاً كعنق البعير»، مضيفاً بذلك الى أحاجي الزيارة المعلّقة سؤالاً آخر. «من يخرجها من عنق الزجاجة؟».