طارق ترشيشي
هادئاً كان رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما أعلن عن «عيديته - المبادرة» الى اللبنانيين في عيد الفطر، لكن إمارات القلق الكبير ظلت على محيّاه قبل مؤتمره الصحافي وبعده.
قلق بري هذا دفعه الى اجتراح “التشاور” ليكون “الاسم الحركي” لـ“الحوار” لإدراكه ان ما مضى من حوار في ساحة النجمة قبل العدوان الاسرائيلي الأخير لم يعد بصيغته صالحاً لمرحلة ما بعد العدوان، فالمطلوب إذاً صيغة جديدة. وكان أن دعا “المتحاورين السابقين” الى ان يكونوا “المتشاورين الحاليين” لتصبح “هيئة الحوار الوطني” السابقة للعدوان “هيئة التشاور الوطني” والفارق بين التحاور والتشاور حرف واحد “حاء محل الشين”. ولكن في النهاية المضمون واحد فـ“التحاور” يستهدف عادة الوصول الى تفاهم أو اتفاق، و“التشاور” هو كذلك أيضاً.
إثر انتهاء المؤتمر الصحافي أجرى بري «دردشة» صحافية واستهلّها: “كان المتوقع ان تشهد البلاد اليوم تظاهرات وتحركات في الشارع لأن الاستعدادات والتحضيرات لما بعد هدنة رمضان كانت جارية على قدم وساق، وتلقيت معلومات عن تظاهرات كانت ستجري بعد العيد وسيرد عليها بتظاهرات مضادة. ولذا تعمدت يوم زارني رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي ان أُعلن العيدية لدى مغادرته مكتبي، وذلك من أجل وقف اندفاعة الأطراف الى تحركات في الشارع”.
وعلى رغم المبادرة التي أطلقها وقبل معرفته بمدى تجاوب الاطراف المعنيين معها، يقول بري: “بصراحة أنا خائف من جماعة 14 آذار ومن جماعة 8 آذار على رغم اني محسوب على الأخيرة”. ويحذر من انه اذا لم يحصل تفاهم على طاولة التشاور التي دعا الجميع الى الجلوس إليها “فإن الناس ستنزل الى الشارع”، معتبراً مبادرته هذه هي “محاولة أخيرة للإنقاذ”، وقال: “اللهم إني بلَّغت”.
ويوضح بري انه “تعمد في مبادرته عدم الاشارة الى موضوعي رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة لأن بحثهما سيستغرق أشهراً، ولذا قلت بالتشاور وليس بالحوار وحددت المهلة بأسبوعين فقط حداً أقصى للتشاور في موضوعي حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب ولا سيما منه المواد المتعلقة بالدائرة الانتخابية والنظام الانتخابي حصراً لأنه لا اعتراض على بقية مواد مشروع القانون الذي قدمته الهيئة الوطنية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس”. ويضيف: “بالنسبة الى قانون الانتخاب كانت المآخذ دائماً، وخصوصاً من الفريق المسيحي، انه يصدر قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات. ولكن الاسراع في بتّ هذا الموضوع على طاولة التشاور لا يعني بالضرورة ربطه بالانتخابات المبكرة”.
ورداً على سؤال عن عدم طرح موضوع رئاسة الجمهورية للتشاور يجيب الرئيس بري: “عندما طرحنا الأمر على طاولة الحوار قلت للحاضرين في حينه إنه يجلس بيننا إلى هذه الطاولة أربعة مرشحين للرئاسة على الاقل، وسألت يومها هل في الامكان الاتفاق على مرشح واحد كما حصل مع السُنَّة حيث توافقوا على فؤاد السنيورة لرئاسة الحكومة فنال تأييد 128 نائباً في الاستشارات، وكما حصل مع الشيعة عندما توافقوا عليّ لرئاسة المجلس النيابي ونلت على رغم المعارضة الاميركية والفرنسية والبريطانية أكثرية 90 صوتاً. صحيح ان الرئاسات لكل لبنان وليس لطائفة معينة لكن الكلمة الاولى يجب ان تكون لطائفة الموقع ولذلك أجَّلتُ يومها جلسة حوارية كانت مقررة بعد الظهر فاسحاً المجال لجعجع كي يتصل بالبطريرك صفير والحصول منه على موقف موحد. ولكننا لم نتوصل الى تفاهم، وخصوصاً بعدما طرح العماد عون أمام المتحاورين المعادلة الآتية: الشيعة جاؤوا بمن هو أكثر تمثيلاً داخل طائفته لرئاسة المجلس، والسُنّة جاؤوا بمن هو أكثر تمثيلاً داخل طائفته لرئاسة الحكومة، فلماذا لا تُطبَّق القاعدة نفسها على الموارنة... في ضوء ذلك اتفقنا على اعتـبار رئاسة الجمهورية موضوعاً خلافياً ونحّيناه جانباً”.
وعن مساعيه إلى إطلاق الحوار بين الجميع قال بري: “ليست هناك مشكلة في انعقاد لقاء بين السيد حسن نصر الله والنائب سعد الحريري، فاللقاءات كانت تعقد بينهما في استمرار”، مضيفاً: “أنا سعيت إلى ترتيب لقاء بين السيد حسن ووليد جنبلاط وقطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه”.
ويسخر بري من الحديث الدائر حول الثلث المعطل ويقول: “ان البلد قائم على التفاهم ومن دون التفاهم كل شيء يبقى على حاله، بدليل ان التشكيلات القضائية أقرها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع ولكنها لم تصدر”.
ويتطرق بري في حديثه الى الوضع الحكومي في ضوء مطالبة المعارضة بتأليف حكومة وحدة وطنية، فيقول انه “ليس بالضرورة تغيير الحكومة ويمكن تعديلها أو توسيعها”. ويضيف: “لماذا لا يزاد عدد أعضاء الحكومة ليصبح 30 وزيراً؟ وأيّد تضمين البيان الوزاري الجديد “كل النقاط والمواضيع التي اتفقنا عليها على طاولة الحوار من المحكمة ذات الطابع الدولي الى موضوع السلاح الفلسطيني والعلاقة مع سوريا وتبادل البعثات الدبلوماسية وصولاً الى مزارع شبعا”.
ويتحدث بري عن الحكومة فيوجه إليها انتقادات لجهة تأخرها في إعادة الاعمار وترميم البنى التحتية التي تضررت بفعل العدوان الاسرائيلي الأخير، ويقول: “هذه الأمور شبه معدومة ومعطلة وحتى الآن لم تُدفع التعويضات للمتضررين من العدوان”.
ويكشف بري ان وزير المال جهاد أزعور زاره منذ شهر وقال له انه يجب ان نبدأ التحضير لمؤتمر باريس ـ 3 وان المطلوب إقرار التشريعات والتدابير المالية اللازمة على ان يكون مجلس النواب جاهزاً لها، واعداً بإعداد ملف كامل خلال 20 يوماً. وذكر بري انه دوَّن الموعد على مفكرته أمام أزعور ومضت هذه المدة ولم يصله هذا الملف بعد. ولكنه على رغم ذلك أوعز الى اللجان المشتركة ان تبدأ ببحث مشاريع القوانين الموجودة لديها وان تستعد لمناقشة وإقرار ما سيردها من الحكومة ووزارة المال، مذكراً بأن المجلس أقرّ 8 مشاريع قوانين من أصل 12 مشروعاً عندما طرحها الرئيس رفيق الحريري قبيل انعقاد مؤتمر باريس ـ 2.
وأشار بري الى: “ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أبلغني عندما زارني قبل يومين، أبلغني انه قد يأتينا من مؤتمر باريس ـ 3 من 7 الى 10 مليارات دولار، فحرام ان نضيّع هذه الفرصة فيما البلاد أمام استحقاقات قريبة وهناك دفعات مستحقة علينا من أصل الدين الى جانب دفع ما هو مترتب علينا لخدمة هذا الدين”. ويختم بري قائلاً: “بصراحة أنا خائف جداً من الوضع الاقتصادي والمالي”.