strong>ابراهيم عوض
الحص يأسف لموقف المفتي وكرامي يلوّح بتغييره "والمستقبل" يدافع عن الزيارة

كاد المشهد السياسي في طرابلس يمر من دون ما يعكر السكون الذي لفه في اليوم الأول لعيد الفطر مع اعتذار معظم القيادات والمرجعيات والمسؤولين عن عدم استقبال المهنئين، وتعطيل بالتالي فرصة إجراء الإحصاء العيني لشعبية هذا أو ذاك أو تراجعها من خلال عدد الوافدين الى داره أو مكتبه، كما درجت العادة عند الطرابلسيين في مثل هذه المناسبات. فالرئيس عمر كرامي أمضى إجازة العيد خارج طرابلس والرئيس نجيب ميقاتي أدى صلاة العيد في المدينة غادر بعدئذ الى بيروت. وحده وزير الأشغال العامة والنقل محمد الصفدي وعضو التكتل الطرابلسي استقبل المهنئين لساعات من دون الإعلان عن ذلك، فيما المنسق العام لـ«تيار المستقبل» في الشمال النائب سمير الجسر، الذي ألصقت على مدخل العمارة حيث مكتبه في الطابق الأول ورقة تحدد ساعات الاستقبال ليوم واحد، وقف يرحب بالمهنئين والى جانبه رفيقه في كتلة «المستقبل» النائب الدكتور مصطفى علوش الذي كان قد أصدر بياناً عشية العيد حمل فيه على عدد من قياديي «حزب الله» متهماً إياهم بـ«تسفيه الخطاب السياسي عبر حملة تضليل تستهدف الرئيس فؤاد السنيورة».
لكن المشهد لم يبق على حاله، إذ سرعان ما خرقته الزيارة المفاجئة التي قام بها صبيحة العيد رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الى منزل مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني في تلة الخياط، تحت غطاء «المعايدة»، حيث أطلق إثرها من بهو المنزل مواقف سياسية حمل فيها على المطالبين بحكومة وحدة وطنية محذراً من اللجوء الى الشارع ملوحاً بوضع حد لكل من يتخطى حدوده.
هذه الزيارة وصلت أصداؤها الى الرئيس الدكتور سليم الحص الذي كان أول المتصلين بالرئيس عمر كرامي مبدياً استياءه مما حصل ومستغرباً قبول المفتي قباني استقبال الدكتور جعجع في منزله. وقال الحص لـ«الاخبار» «إن سماحة المفتي كان في غنى عن استقبال جعجع سامحه الله»، مضيفاً «لسنا لنعترض على استقبال أحد ولكن الدكتور جعجع وجهت اليه ثلاثة أحكام قضائية بالإعدام وخفضت الى المؤبد في جرائم قتل متعمد بينها قضية يجب أن تكون عزيزة على سماحة المفتي كما هي عزيزة على قطاع واسع جداً من اللبنانيين، وهي قضية الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي اغتيل وهو في سدة الرئاسة». وفيما لفت الحص الى «أن هناك من يجيب عن هذه الملاحظة من جانب جعجع بأن الأحكام التي صدرت ضده سياسية» استطرد قائلاً: «نحن نتقبل هذا الرأي ولكننا نصر على أن المطلوب، إذا كان هذا صحيحاً، أن يستصدر الدكتور جعجع قانوناً من مجلس النواب لا للعفو عنه بل يجيز إعادة محاكمته»، موضحاً أن قانون العفو «لا يلغي الجريمة بل يلغي مفاعيل أحكام، ووحده القضاء صاحب الكلمة الفصل في هذه القضية».
من جهته قال الرئيس كرامي لـ«الأخبار» إنه لم يفاجأ بموقف المفتي قباني، معلناً «أن الكلام لم يعد ينفع ولا بد من تحرك عملي لا نستبعد فيه طرح مسألة تغيير المفتي» وأعلن عزمه دعوة الأعضاء السنّة في اللقاء الوطني لاجتماع الأسبوع المقبل للتشاور واتخاذ القرار المناسب.
بدوره انتقد رئيس جبهة العمل الإسلامي عضو «اللقاء الوطني اللبناني» الداعية فتحي يكن الزيارة مركزاً على ما ورد في التصريح الذي أدلى به جعجع عقبها وقال لـ«الأخبار»:«لا نرى حرجاً أو بأساً في أن يستقبل المفتي كل الناس والأطراف والقوى الموجودة على الساحة اللبنانية او غيرها على غرار ما هو جارٍ وقائم لدى المرجعيات الدينية الأخرى، إنما وجه الغرابة أن يسخّر البعض منبر المرجعية الدينية السنية لإطلاق تهديدات طائشة غير مسؤولة ضد الآخرين». وتابع:«نحن نربأ بدار الفتوى أن تكون منبراً لإيقاد الفتنة، أو أن تكون متراساً لهذا الفريق أو ذاك»، مشدداً على أن «دار الفتوى يجب أن تكون فوق كل التجاذبات القائمة على الساحة اللبنانية ليكون صوتها مسموعاً وقرارها منفذاً».
في المقابل، دافع عضو كتلة «تيار المستقبل» النيابية وليد عيدو عن الزيارة مذكّراً بأن الدكتور جعجع يمثل أحد أطراف الحوار الأساسيين مثنياً على المبادرة «الجريئة» التي قام بها بمناسبة عيد الفطر، ومطالباً بالإقلاع عن «تصوير الدكتور جعجع بأنه رئيس ميليشيا واتهامه بزيارة إسرائيل وهو أمر لم يثبت عليه، فيما (الوزير السابق الراحل) ايلي حبيقة الذي سبق أن زار إسرائيل مراراً جعلوا منه زعمياً وطنياً».
وقال عيدو لـ«الاخبار»: «ما من أحد في لبنان إلا وشارك في الحرب لكن لا بد من طي هذه الصفحة اذا كنا ننشد فعلاً الوحدة الوطنية»، متوجهاً الى دعاة تأليف حكومة وحدة وطنية بسؤال عما سيفعلونه مع الدكتور جعجع «هل يضمونه اليها أم يستعبدونه منها؟».
وفي هذا الإطار رأى نائب الأمين العام للجماعة الاسلامية ابراهيم المصري أن «لا مشكلة في الزيارة على اعتبار أن القوى اللبنانية تصالح بعضها مع بعض منذ زمن طويل و«القوات اللبنانية» ممثلة في السلطة. والتواصل يؤدي الى حلحلة الوضع السياسي وتهدئة الناس». ورأى أن القضية «لا تحتاج الى استفتاء الشارع السني، وخصوصاً أن الزيارة مر عليها العيد ولم تثر ردود فعل في الشارع لا سلباً ولا إيجاباً».
وفي خطوة تخالف الرأي الأخير أعلن وفد من كوادر الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية وشخصيات إسلامية، بالتنسيق مع المناطق وخاصة عكار والبقاع والجنوب، عن توجهه الى طرابلس اليوم للقاء كرامي والتضامن معه استنكاراً للقاء الذي جرى في منزل المفتي. وكانت هذه الكوادر قد عقدت اجتماعاً في بيروت أمس رأت فيه أن المفتي قباني «استقبل قاتلاً لرئيس حكومة مما يخول أياً كان في المستقبل أن يلتقي قاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي نطالب لقتلته بالإعدام».
وفي هذا الإطار أعلن رئيس التجمع الشعبي العكاري النائب السابق وجيه البعريني عن عقده مؤتمراً صحافياً يوم الجمعة المقبل يتناول فيه زيارة الدكتور جعجع الى منزل المفتي قباني، وتكليف الأخير الشيخ اسماعيل الرفاعي مفتياً لعكار وغيرهما من الأمور، مشيراً الى أن قباني ارتكب خطيئة كبرى، موضحاً أن المقصود في حديث سابق له عمن لا يلتزم بكلامه ويفّرط بالمرجعية السنية هو مفتي الجمهورية لا المفتي المكلف الرفاعي.
وفي موقف لافت أدلى مدير عام العلاقات العامة السابق في دار الفتوى الشيخ خلدون عريمط بتصريح أمس انتقد فيه قرار المفتي قباني ملء مركز الإفتاء في عكار مؤكداً رفضه لما سمّاه «المزاجية باتخاذ القرار في المرجعية الدينية التي ليس لديها مقاييس قانونية أو مؤسساتية أو علمية في معالجة القضايا الإسلامية العامة»، موضحاً أنه غير مرشح للإفتاء في عكار أو لأي موقع آخر.