جوزف سماحة
نام اللبنانيون، مثل أطفال، على حلم العيدية فأيقظهم رئيس المجلس نبيه بري على جرس... الإنذار. لا معنى آخر للمؤتمر الصحافي أمس: أمامكم أيام معدودات فإما التوافق وإما...
لا يستطيع أحد، ابتداءً من اليوم، أن يتظاهر بالتجاهل، وأن يدّعي القدرة على مداواة الأزمة بكلام متفائل أي بأقل من المراهم. عندما يقول بري «ننقذ لبنان جميعاً أو ننهار جميعاً»، وعندما يحذّر «من النزول إلى الشوارع المتقابلة»، وعندما يعرب عن «التخوّف»، وعندما يشير إلى «شقاق»، وعندما ينبّه من «مواجهات في الشارع اللبناني»، عندما يفعل ذلك كله لا يترك مجالاً لأي قائد سياسي لكي يتهرّب من المسؤولية. كانت العيدية صفعة على الوجه: استفيقوا.
بدا بري في مؤتمره الصحافي سلبياً حيال التدخلات «الغربية» في لبنان. ولكن الجديد هو أنه بدا يائساً من وضع «العلاقات العربية ــ العربية القائمة على تعقيدات كبيرة». وهذا جديد فعلاً لأن الرجل يتحدث عن تجربة، وبعد رهان. لقد عمّم، قبل أسابيع، الفكرة القائلة بأن الحل اللبناني يكون عربياً أو لا يكون، وها هو اليوم يعود إلى نظرية «لبننة الحل». وهو إذ يفعل ذلك فإنه يفعله على قاعدة ملاحظة «الانهيارات في المنطقة من أفغانستان إلى العراق» مروراً بفلسطين طبعاً.
لن يكون سهلاً على أي طرف سياسي عدم التجاوب، ولو اللفظي والشكلي، مع «خطة الطريق» التي اقترحها رئيس المجلس. تريد «الأكثرية» الحوار، فها هي حصلت على التشاور. تريد «الأقلية» حكومة الاتحاد الوطني، فها هي حصلت عليها كبندٍ أول على جدول الأعمال. يريد الكثيرون نظاماً انتخابياً عادلاً يسعه، منذ الآن، تنظيم الحياة السياسية، ها هم حصلوا عليه. يريد اللبنانيون عدم إضاعة أي فرصة للمساعدة الاقتصادية من الخارج (باريس ــ 3)، ها هم يحصلون على ذلك لكن عبر إشراك المجلس النيابي، وربما مؤسسات أخرى، في التوصل إلى تصورات جامعة.
يمكن لكل معسكر أن يرى في المبادرة جانباً يهمّه ويرضيه. إلا أن التدقيق فيها، لناحية الحضور وجدول الأعمال والتمييز بين «التشاور» و«الحوار» وتحديد السقف الزمني، إن هذا التدقيق يوحي بميل ضمني لدى بري إلى الفريق الاعتراضي وبتبنٍّ لمطالبه أو، بتعبير أدق، باعتبارها وجيهة.
يتوقع المرء أن تلقى الخطوة ترحيباً. لكن الأزمة الوطنية ما كانت لتكون جديّة ومثيرة للقلق لولا التقدير بأن هذا الترحيب سيكون متفاوتاً وأن البعض منه سيكون ستاراً لتفجير المبادرة من الداخل.
قد يثار غبار حول مستوى التمثيل، وحول جدول الأعمال، وحول المهلة. وهناك من سيحاول تمرير مطالبه عبر الإصرار على البحث في تركيبة الحكومة، وبرنامج عملها، ومصير السلاح، والرئاسة الأولى... لا غرابة في الأمر ولا مبرر، ربما، للاستهجان. هذا حق طبيعي لكل طرف سياسي وخاصة في ظل الكلام الكثير على «الخوف من القفز إلى المجهول».
إلا أن السيف فوق رؤوس الجميع. والسيف المشار إليه هو، بالضبط، المهلة الزمنية القصيرة نسبياً والمعطاة من أجل التوصل إلى تفاهم. إن هذه المهلة تنتهي في منتصف الشهر المقبل، أي... غداً.
وفي الاعتقاد أن بري رمى كتلة النار بين أيدي الأكثرية النيابية والحكومية. حرمها من حجة رئيسية هي الدعوة إلى حوار بلا أفق وإلى تهدئة تبقي الوضع المختل على حاله. فالدرس الرئيسي من اقتراحات بري هو أن التغيير المتوافق عليه في لبنان بات شرطاً للاستقرار، وكل دعوة إلى إبقاء القديم على قدمه هي، في العمق، دعوة إلى الاضطراب. بكلام آخر يعتنق رئيس المجلس الدعوة إلى عدم جواز العودة إلى ما قبل 12 تموز، لكنه يفعل ذلك على قاعدة برنامج واضح يحدد موقفاً من إسرائيل والتدخلات الأجنبية وسلاح المقاومة، ويقترح جدول أعمال للتشاور يلتقي مع مطالب المعارضة.