قصص قصيرة جداً حلم لمّا يتحقق
لم تسنح له الفرصة بأن يسافر إلى الخارج ويرى العالم كما فعل جميع إخوته. كان قد درس الجغرافيا، وبذلك لم يزر بقاع العالم إلا بالتمعن في الخرائط لساعات طوال. كان يرسم في مخيلته طرقاً خيالية تسلكها الطائرات بين المدن. فإذا أرادت طائرته الذهاب من دمشق إلى صنعاء، عليها أولاً أن تمر على مصر ومن ثم تحلّق فوق سماء أمستردام وباريس وروما متجهة إلى مكسيكو، فتباغت الكوكب بلفّة من الوراء، من جهة أميركا، لتعبر آسيا مروراً بالصين ومنغوليا وميانمار والهند وطاجكستان، لتهبط في النهاية في مطار صنعاء. أرسل له أخوه مرة دعوة لزيارته في تونس، وبدا له ذلك بداية تحقق أحلامه.. بعد فترة من صعوده الطائرة سأل المضيفة:
- متى سنمر فوق مصر؟
- لقد مررنا فوق مصر منذ فترة طويلة.
- وليبيا؟
- اجتزناها كذلك.
- اجتزناها؟! أين نحن الآن إذاً؟
- في الأجواء التونسية.
كانت صدمته شديدة، لماذا لم يعلن الطيار فوق أي بلاد كانوا يطيرون؟ ولو أن الرؤية كانت صعبة من ارتفاع شاهق كهذا، كان قد حلم طوال عمره بسماع جملة مثل «نحن الآن نحلق فوق مصر» .. لم يكن يعرف أن الطائرة تقطع المسافات، بل تقتل المسافات بهذه السرعة.. نزل في تونس محبطاً ولم يستطع الاستمتاع بصحبة أخيه، وقرر أنه سينام طيلة رحلة العودة انتقاماً، وكان هذا ما فعله.
منذئذ، انتابه حنين إلى الأيام التي حلم فيها الإنسان بالطيران، ورأى أن حلم الإنسان لم يتحقق، وبأن الإنسان حلم بالطيران من أجل الطيران لا من أجل قطع المسافات.. قال له أخوه جملة «لا أصدق أنك في تونس»، وشعر وقتها أن هذا كان شعوره بالضبط.. لم يتسنّ له التمتع بشعور المرور فوق جبال وأودية وأنهار قبل بلوغ وجهته. أدرك أن حلم الإنسان بالطيران ما زال قائماً، وخصوصاً بعد فشل المنطاد واقتصار الطيران الشراعي على مسافات بسيطة.. انتابه شعور بدائي عذب جداً.

رب نافعة ضارّة

حزنت قيثارة اليوم عندما أخبرها سامي بأنه لم يستطع أن يعيش تلك اللحظة التي يحبها ويحلم بها جميع الأطفال.. أن يكون نائماً وتوقظه أمه معلنةً بدء سقوط الثلج لينهض ويهرع إلى النافذة ويرى ندف الثلج المتساقطة.. لم يستطع اليوم أن يعيش هذه اللحظة لأنه بعد أن سمع وأمه البارحة النشرة الجوية، وعرفا أن الثلج قد يسقط هذا اليوم، قضيا الليل يصليان من أجل سقوطه حتى داهمهما النعاس فاستغرقا في النوم قبل بدء سقوط الثلج بقليل.

نام حزيناً

سكت الجميع عندما دخل الوالد منهكاً بعد نهار طويل من العمل .. ترددت عائشة وتراجعت عن قرارها بإخباره عما حصل معها اليوم في المدرسة بعد أن صدرت عنه زفرة تنم عن الإعياء ما إن اجتاز عتبة البيت. بينما أصر غانم ذو الخمس سنوات على مفاجأته بالضفدع اللعبة الذي يقفز من علبة مغلقة ما إن يتم فتحها، فما كان من الوالد إلا أن وضع العلبة جانباً بعد تلقي المفاجأة القديمة الجديدة، ونظر إلى غانم نظرة عطوفة محاولاً رسم ابتسامة سعادة على شفتيه، لكنه لم يفلح إذ سرعان ما انسحب غانم وأوى إلى فراشه حزيناً.

  • سعيد ميرخان ــ سوريا