أنطوان سعد
قبل أيام من إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته القيادات اللبنانية للتشاور في ساحة النجمة، عبّر دبلوماسي من دولة خليجية عن قلقه من المنحى الذي اتخذته الحياة السياسية اللبنانية. وقال في مجلس خاص: «على اللبنانيين أن يدركوا أنهم على أبواب حرب أهلية باردة cold civil war، فإن لم يستدركوا وضعهم فسينزلقون إليها، ولا أحد يعرف كيف سيخرجون منها». واستدرك الدبلوماسي العربي موضحاً أنه لا يعني أن مواجهات عسكرية ستقع بالضرورة، بل سيسود التوتر وعدم الاستقرار وربما الشلل لفترة طويلة على جو البلاد، إذا لم تتدارك القوى السياسية اللبنانية هذا الخطر الماثل أمامها.
كل الأطراف السياسية اللبنانية ليست بعيدة عن هذه القراءة للواقع السياسي، في الموالاة وفي المعارضة. وكانت جميعها، وبخاصة في صفوف قوى 14 آذار، تأمل أن يتوصل الرئيس بري إلى قاعدة دنيا للتفاهم حتى لا تزداد الأمور تأزماً، وخصوصاً بعد تلقي تيار “المستقبل”، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة الاثنين الماضي نصيحة سعودية تدعو مجدداً إلى التروي وعدم الانجرار إلى التصعيد الذي يضر بلبنان ولا يفيدهما هما ولا جمهورهما بشيء. وكانت صدمة هذا التيار وحلفائه كبيرة جداً من الدعوة للتشاور التي أطلقها الرئيس بري أول من أمس لأنها تعني أمراً من اثنين لا ثالث لهما: إما التراجع عن رفض توسيع الحكومة وإما الدخول في المواجهة.
أما المفاجأة الكبرى لقوى الأكثرية الحاكمة فكانت انضمام الرئيس بري بوضوح إلى محور التيار الوطني الحر ــ حزب الله بعدما كان يحرص، في السر والعلن، على إبداء العديد من الإشارات الإيجابية ورغبة قوية في الإبقاء على شعرة معاوية مع تيار المستقبل وحلفائه وعلى لعب دور المقرب بين وجهات النظر المتناقضة. ولم يكن أقطاب 14 آذار يتوقعون أن ينضم إلى المحور المذكور بهذه السرعة، لا بل كانوا يتبارون يومياً في إغداق المديح عليه وعلى الدور الذي يضطلع به اقتناعاً منهم بأنه سيبقي على الجسور بينهم وبينه أياً كانت الظروف. لا بل إن بعض المتفائلين في الأكثرية كان يراهن على انفصال الرئيس بري عن حزب الله في المدى المنظور. ولعل رئيس الهيئة التنفيذية لـ “القوات اللبنانية” سمير جعجع كان الأصدق والأكثر تعبيراً عن حقيقة شعور الأكثرية في تقييمه لمبادرة رئيس المجلس النيابي، فيما كانت القوى الأخرى تشكر هذا الأخير على مسعاه، مبدية بعض التحفظ والإضافات على جدول الأعمال الذي أعلنه. وتسود أوساط قوى الرابع عشر من آذار أجواء قلق شديد على مصير البلاد في الأيام المقبلة في ضوء معلومات تكونت لديها عن نية تصعيد لدى تحالف التيار الوطني الحر ــ حزب الله.
وليس الصرح البطريركي أقل قلقاً على الأوضاع، وخصوصاً من جراء عدم اتضاح نيات قوى المعارضة وخلفياتها في ظل أجواء التهويل التي تشيعها أوساط قريبة من المعارضة والتي تبالغ قوى الأكثرية في تصوير نتائجها الوخيمة على لبنان. فمقابل التواصل الدائم مع بكركي الذي تحرص عليه قوى 14 آذار بمختلف تلاوينها، لا يبدو أن قوى المعارضة مهتمة كثيراً بشرح وجهة نظرها للكاردينال نصر الله صفير. ويقتصر التواصل بين الموقعين على زيارات بعض الشخصيات القريبة من العماد ميشال عون وعلى بعض الرسائل غير المباشرة التي ينقلها مقرّبون من رئيس المجلس النيابي، مع وعود بأن يقوم هذا الأخير بزيارة إلى الصرح البطريركي قريباً.
أما في شأن مبادرة الرئيس نبيه بري، فتشير أوساط بكركي إلى عدم اطمئنان البطريرك صفير للانقسامات في الرأي حيالها بين الموالاة والمعارضة وعدم توقعها بالتالي لنجاح هذه المبادرة، وخصوصاً بعد عجز طاولة الحوار الأولى عن تحقيق التوافق المرتجى. وتضيف هذه الأوساط: «ما الفارق بين التشاور والحوار؟ لا فارق بينهما، هناك مؤسسات دستورية يجب أن تكون فاعلة وينبغي أن تجري عملية الحوار أو التشاور ضمنها. ولماذا التشاور في مسألة قانون الانتخاب؟ هناك تصور لهذا القانون عملت على وضعه لجنة متخصصة مدة أربعة أو خمسة أشهر، فليطرح على البحث في مجلس الوزراء ومن ثم في البرلمان وليقروه أو يعدلوا فيه. أما في شأن حكومة الوحدة الوطنية فعلى الطرف المطالب بها أن يوضح نياته وخلفياته ويتفق مع الطرف الآخر على آلية تؤمن الوصول إلى حكومة جديدة دونما تعريض البلاد لخطر الفراغ الحكومي».