(إلى زاهي البستاني)

في مثل هذا اليوم قبل 11 عاماً رحلت زينة زاهي البستاني، في مدرستها في منطقة نهر إبراهيم، على مقربة من ضفة أدون وعشتار. الذين عرفوا البستاني الجبل بعد ذاك التاريخ، قالوا إنه مات في 27 تشرين الأول 1995. اليوم أراد أن يعلن موته لا غير، بصمته الدائم والسرّ المضاف. هذه الكلمات، نشرت قبل 11 عاماً، تُستعاد اليوم طبق الأصل، لمناسبة موت تأخّر، أو أبكر، أو بالنسبة الى أصدقاء زاهي، لم يحصل، ولن...
ج. عزيز


¶ ¶ ¶

مجنون الله. يسرق الطفل لنصدّق أن هناك سماءً، أو ليقنع نفسه وطينه بأن يقيم لنا واحدة فوق.
مجنون الله. كمثل ملك يسكنه الحسد من أجيره. كمثل قصر تتآكله الغيرة من كوخ مجاور.
مجنون الله، يقطف وردة البستاني، زينة كوخ الأجير، لنحسب أن باقة أجمل تونع في مكانٍ ما، لنرضى بأن نظلّ نخشى الملك، ونحلم بالقصر.
مجنون الله، كأن عدوى طغاتنا قد أصابته، لم يعد يوجّه ضرباته الى أفكار الناس، بل الى رؤوسهم والصدور والقلب. لم يعد موته مقص تشذيب حذر بين البراعم الممتلئة ثمراً. صار الموت عنده منجل حصّاد أعمى، يحسب الورد قمحاً، والقمح زؤاناً، ويحسب كل الأيام موسماً يانعاً أقبل..
هل من معنى آخر لسقوط «الزينة» عن عتبة البيت؟ هل من مغزى آخر لأن يظلّ الرحيل يقترض من دائن واحد؟!
كم صار لتلك العتبة في ذمّة فجوة الزمان. لو قُدّر لها أن تزرع جوفها أرحاماً، وتلد من كل رحم جيلاً، لما وفت بسمة الزاهي رفيقاً على الصليب هناك، وزهرة على ضفة أدون هنا.
جُنّ الزمان. أخطأ الوحش هذه المرة، أو أصاب... ترك العريس لموت لاحق، التفّ من حول الجبل، وسرق عشتار.
في السنة المقبلة، حين تغزر ضفة أدون بالشقائق، ويشتدّ القاني في براعمها، بعضهم سوف يتوهّم أن الإله قد تجدّد أو انبعث. وحده أدون سوف يحمل السرّ في صمته: لقد عادت الآلهة الى الهيكل، صارت الزينة (والزاهي اليوم) داخل بيت الرب.