ابراهيم الأمين
ليس مهماً من هو صاحب النصيحة. لكن ما حصل هو أن الوسيط الدائم بين النائب سعد الحريري و“حزب الله” استعجل عشية العيد اجتماعاً بمسؤول بارز في الحزب، مبلغاً إياه أن رئيس تيار “المستقبل” يريد زيارة السيد حسن نصر الله للمعايدة. الجواب الفوري جاء من المسؤول البارز بأنه لا يقدّر أن الأمور ناضجة لخطوة كهذه. ثم جاء الجواب الرسمي بعد وقت قصير بالمعنى نفسه، أي إنه لا مجال لاجتماع الآن.
ربما لم يكن الحريري يتوقع جواباً سلبياً، أو ربما لم ينقل إليه الوسيط الجواب كما تلقّاه، أو ربما كان الحريري يريد مثل هذا الجواب لينهي جدلاً قام بينه وبين مقربين منه كان بعضهم يحثه على عقده بقصد احتواء مناخات التوتر، وبعضهم الآخر يحضه على تجاهل الأمر برمته لأنه “لا حاجة إلى مثل هذه الاجتماعات” كما يعتقد “أبناء البارحة” المنتشرون كالفطر من حول قريطم.
إلا أن فكرة الاجتماع هذه ربما جاءت متأخرة بعض الشيء، لأن هناك ما كان يجب أن يسبقها. ويروي معنيون أنه جرى أن بادر الرئيس نبيه بري منذ مدة من أجل ترتيب هذا الاجتماع، وكذلك فعل السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة الذي طلب بدروه موعداً لاجتماع بالسيد نصر الله مفوّضاً من الملك السعودي البحث في كل الأمور بما في ذلك تسوية العلاقة بين الطرفين، علماً بأن الاجتماعات التي عقدها خوجة مع معاون نصر الله الحاج حسين الخليل وفرت الكثير من العتاب والمصارحة وأوجدت مناخاًَ مناسباً لاستئناف الحوار، ولا سيما أن نصر الله نفسه كان قد أعلن غداة توقف الحرب أن الحزب ليس معنياً بمعارك مع أحد وإن كانت لديه قراءته لمواقف العرب من الحرب الأخيرة على لبنان.
ويبدو أن الأمور اتجهت قبل ذلك الى مناخ أعلى من التوتر عندما سمع الحريري نصيحة أحد المقربين منه بعدم زيارة الضاحية الجنوبية بحجة أنه سوف يسمع كلاماً قاسياً من الناس هناك، أو حتى يصبح بمقدور أحد مساعديه النائب باسم السبع زيارة منزله في الضاحية، علماً بأن لا أحد من حزب الله ولا من أبناء الضاحية ولا حتى من أنصار السبع تحدث عن أنّ الأخير ممنوع من الوصول الى الضاحية، حتى إن صوره لا تزال معلقة على جدران كثيرة هناك وهو على تواصل تام ودائم مع مناصريه وأبناء عائلته بما في ذلك مع آخرين ينتقدون موقف تيار “المستقبل” أو موقف النائب وليد جنبلاط مما يجري.
ثم جاء الأمر الآخر المتصل بالموقف من الحرب نفسها، وذهاب الحريري بعيداً في حملته عشية الحرب وأثناءها وبعد توقفها وكلامه الكثير عن “خديعة تعرّضنا لها مع الحلفاء على طاولة الحوار” ثم القول إن “الحوار لم يكن مجدياً وكان كلاماً عاماً من دون جدوى” ثم وصولاً الى الكلام عن حوار التكاذب. وكل ذلك بلغ ذروته في الخطاب الذي ألقاه في إفطار قريطم الشهير، في حضور السفير السعودي نفسه.
وسط كل هذا المناخ لم يكن منطقياً توقع اجتماع عمل عادي بين نصر الله والحريري. ولا يبدو أن في قيادة الحزب من يعتقد بأن اللقاء شرط حاسم لاستئناف الحوار الداخلي، أو أنه عليه تتوقف أحوال البلد كلها، ثم إن في حزب الله من يرفض أساساً العودة الى حوارات لا تتصل بتفاهمات قابلة للحياة. وهو خارج من تجربة نقض التفاهم الأكبر الذي قام عليه التحالف الرباعي عشية الانتخابات النيابية الأخيرة والذي أرفق بتأليف حكومة شارك فيها حزب الله من دون التوقف كثيراً عند التوزيع والحصص لاعتقاده بأن التفاهم السياسي يفي بالحاجة. لكن ما جرى لاحقاً وصولاً الى الموقف خلال مرحلة العدوان أنهى هذا التفاهم نهائياً، ما يعني أن أي نقاش لا يمكن أن يكون بقصد الترميم بل بقصد إعادة بناء صياغة سياسية للعلاقات بين القوى كافة، وهو ما يجعل مجرد الاجتماع بين نصر الله والحريري ليس العنوان الأفضل، وخصوصاً أن كلاً من الطرفين ذهب في اتجاه تحالفات وعلاقات سياسية من نوع مختلف عما كان عليه الأمر سابقاً، وهو أمر كاف لفهم أنه لا يمكن إيجاد تفاهمات ثنائية بمعزل عن التحالفات والتفاهمات التي قامت خلال الفترة الأخيرة.
ومع أن البعض وجد في اللقاء محاولة لتنفيس الاحتقان السياسي القائم في الشارع فإن عدم وجود وجهة عامة تقود الى نتائج عملية لن يجعل اللقاء أكثر من عملية تمويه لا طائل منها، وخصوصاً أن التعبئة في الشارع قائمة على قدم وساق من دون أي تأخير، ولن يكون بمقدور أحد إقناع أحد بأن قواعد الحريري تخفي معارضتها للمقاومة وخيارها، أو تخفي ما يقال في أوساط أقطابها، كما أنه لا يخفى على أحد ما تقوله قواعد المقاومة من أن الاجتماع بين نصر الله والحريري قد يلامس درجة الخيانة.
كذلك فإن الأمر نفسه ينسحب على بقية الاتصالات، كمحاولة الرئيس نبيه بري إسقاط القطيعة بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وترتيب لقاء بين نصر الله ووليد جنبلاط، وهو أمر ليس ممكناً للأسباب نفسها وربما هناك ما هو أكثر بكثير. وإذا كانت الوساطات قائمة بين حزب الله وتيار المستقبل، فإن فكرة عقد اجتماع مع الوزير غازي العريضي لم تكن محل ترحيب من جانب قيادة الحزب باعتبارها تتجاوز اللقاء الشخصي مع العريضي الذي تربطه علاقات جيدة مع غالبية قيادات الحزب.
ووسط هذه المناخات حاول السفير السعودي التحرك. وهو عقد اكثر من اجتماع مع كبار المسؤولين في حزب الله ومع الرئيس نبيه بري ومع آخرين من قادة المعارضة والاكثرية، وفتح الباب أمام تعديلات قد تبدو جوهرية في الحركة العامة مثل إبلاغه العماد ميشال عون أن أبواب المملكة العربية السعودية مفتوحة أمامه وأمام كل القيادات اللبنانية. وحرص السفير نفسه على عدم إخفاء ملاحظات بلاده على بعض العناوين السياسية، لكن مع الاحتفاظ بمسافة من النوع الذي لا يمكن تفسيره إلا بمراجعة ولو جزئية من جانب الرياض التي ستظل، حتى إشعار آخر، مصدر الحياة لكل فريق الأكثرية، وهذا يفتح الباب أمام اسئلة لن يكون بمقدور أحد الإجابة عنها قبل الانتهاء من لعبة العيد التي وزعها الرئيس بري على من يرغب.