ابراهيم الأمين
لن يكون بمقدور أحد العودة إلى الوراء. تفاهم التيار الوطني الحر وحزب الله ومعهما فريق اللقاء الوطني وقوى كثيرة متعددة الانتشار من أحزاب وجمعيات وتجمعات، يعتقدون بأن فرصة التخلص من السلطة الحالية تلوح في الافق وأنه لا مجال على الاطلاق للتهاون والعمل وفق آلية احتوائية. أما فريق الأكثرية الحاكمة فيعتبر انه لن يكرر تجربة أنصاف الحلول، وأن التاخر في إنجاز “انقلاب كامل” على ما يقول وليد جنبلاط قد يطيح ما تحقق حتى الآن. ولذلك فإن هذا الفريق يتصرف على اساس “مشروعية استخدام كل وسائل الدعم لحماية المشروع”. وحده كان نبيه بري يقف على نقطة التصادم ويراقب المسافة الباقية قبل الاصطدام العنيف الذي يطيح كل شيء. ولكونه جرب حظه في البلاد وخارجها لم يكن لديه غير ما قدّمه. أما كيف يقرأ كل فريق ما يجري من حولنا، وكيف يقرأ كل فريق واقع خصمه، وكيف يعد المتحاربون الجدد للواقعة اللبنانية الجديدة، فذلك هو سر لبنان الآيل مرة جديدة الى الاسوأ.
يعرف فريق الاكثرية ان اسرائيل خسرت ومعها الولايات المتحدة مشروع إطاحة المقاومة في لبنان. كما يعرف فريق الاكثرية تحديداً مدى تورطه في هذه الحملة. كما ان في هذا الفريق من يعرف بالضبط النتائج الكارثية على المشروع الاميركي في المنطقة جراء الحرب الاخيرة. وبالتالي فإن هذا البعض (يقول احد الخبثاء ان هذا البعض يقتصر على شخص واحد هو وليد جنبلاط) يعرف ما هو المطلوب اميركياً من العرب الموالين ومن اللبنانيين الموالين في المرحلة المقبلة، وهذا ما فرض وتيرة مختلفة من جانب فريق الاكثرية في عملية الإمساك بكل مفاصل السلطة، بما سرّع عملياً الحملة المقابلة التي تدعو الى وقف هذه العملية من جهة واحتواء الهجوم الاميركي الجديد من جهة ثانية. وقد حصل في هذا المجال تقاطع مصالح واسع لا يفيد معه الكلام عن محور سوري ـــ إيراني ولا عن ريف دمشق وخلافه من الكلام الذي لم يعد يشكل عنصر تعبئة في الشارع.
وفي هذا السياق يورد مراقب متابع نوعية المتغيرات التي حصلت خلال الفترة الممتدة من الايام العشرة الاخيرة في العدوان حتى يومنا هذا، على الشكل الآتي:
1ـــ فشل فكرة تحريض الجمهور الشيعي على المقاومة وجرّه الى موقع مختلف عما هو عليه، وظهور نتائج معاكسة دفعت بغالبية شيعية الى التعامل مع المقاومة كخيار داخلي لا فقط كخيار يتصل برمزية مقاومة إسرائيل. حتى وصلت الأمور الى حد تمتع حزب الله بدعم جماعات شيعية كانت على الدوام في محل نقاش نقدي معه.
2ـــ اختلال هو الاكبر من نوعه في الوسط السني منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بحيث انتعشت بقوة التيارات المعارضة لتيار “المستقبل” وتوسعت انتشاراً في اكثر من منطقة لبنانية. كذلك إظهار قوى نافذة في الشارع السني تمايزها في موضوعات رئيسية ولا سيما موضوع المقاومة، مثل الجماعة الاسلامية وقوى وأقطاب بينها من هو في قلب فريق الاكثرية مثل التكتل الطرابلسي. وتعاظم المشكلات بين “المستقبل” ومجموعات لم تكن على الدوام خارج مناخ آل الحريري، ولكنها شعرت بأنها مستبعدة بقوة. كما ان برنامج الخدمات العامة او الخاصة بات منحصراً في فريق ضيق.
3ـــ انحسار أكبر للنفوذ غير الواقعي الذي تحلى به وليد جنبلاط داخل الطائفة الدرزية او على المستوى الوطني، وتراجع اكبر في لعبة التعبئة والاستثمار الى مرحلة بات من الصعب معها توفير مظلة شعبية كبيرة كتلك التي رافقت الصعود الكبير للتيار اللبناني المتحالف مع الولايات المتحدة الاميركية.
4ـــ فشل محاولة محاصرة التيار الوطني الحر وزعيمه العماد ميشال عون، وتبيان نتائج معاكسة تظهره يوماً بعد يوم التطورات السياسية في الوسط المسيحي، بما في ذلك فشل محاولة تأليب الجمهور المسيحي ضد عون على خلفية موقفه المباشر الداعم للمقاومة بوجه العدوان الاسرائيلي والمحتفظ بموقف خاص من مستقبلها.
5ـــ فشل قيادة فريق الأكثرية للدولة بمؤسساتها كافة وتحولها سريعاً الى فكرة إقامة نظام أمني بديل لما كان قائماً في السابق بتحالف بين قوى لبنانية وسوريا، وظهور حالة تململ أكبر من السابق وترافق ذلك مع فشل هذا الفريق في تقديم صورة مختلفة عن آلية مواجهة العدوان الاسرائيلي واعتداءاته. كذلك ارتباط هذا الفريق أكثر فأكثر بمتطلبات الطروحات الغربية من تعديل عملاني في طبيعة القرار 1701 الى البحث في سبل تعزيز الحضور الدولي السياسي والامني والاقتصادي في لبنان.
6ـــ فشل محاولات التوافق الثنائي التي سعى إليها فريق الأكثرية مع الرئيس بري على حدة أو مع حزب الله على حدة او مع التيار الوطني الحر على حدة. وهي عملية عكست الى حد بعيد عدم وجود قدرة عند فريق الاكثرية على عقد تسويات من النوع الواقعي، كما تعكس من جهة ثانية عدم تقبل الآخرين لتسويات بأي ثمن.
وبناءً عليه، يعتقد المراقبون بأن الامور تسير بخطى حثيثة نحو مواجهة شاملة لا سابق لها، وهي مواجهة لا تستهدف إبعاد الفريق الاكثري عن السلطة بقدر ما سوف تحقق توازناً ضروروياً في السلطة، وإلا فإن المعارضة سوف تأخذ أشكالاً مختلفة بما فيها السعي الى صدام متكامل برغم كل التحذيرات المتتالية التي بدأت تلامس، للمرة الاولى، التحذيرات الامنية، وربما لم يسبق أن خشي معارضون من احتمال لجوء فريق السلطة الى مناورات امنية من النوع الذي يستهدف فرض حالة من الطوارئ على لبنان، وهو الأمر الذي يشبه ما يفعله الأميركيون في فلسطين المحتلة الآن بواسطة “14 آذار الفلسطيني” وخصوصاً أن التحذيرات الاميركية من احتمال خروج الحلفاء من السلطة في لبنان لامس حد ابلاغ بعض الأطراف بأن واشنطن ومعها الدول الغربية على استعداد لمقاطعة أي سلطة لبنانية لا تحظى بتغطية منهم، وهو الأمر الذي يذكر أيضاً بالموقف الاميركي والغربي من حكومة حماس في فلسطين.
ثمة ترابط غير عادي تجريه واشنطن بين مشكلات المنطقة، وثمة قراءات ناقصة مشتركة بين جماعات اميركا في دول المنطقة، وثمة مشكلة سوف يدفع الاميركيون اللبنانيين مرة جديدة الى دفع ثمنها... الله يستر!.