تبدو المسافة واضحة بين كلام بكركي في بيان مجلس المطارنة الأخير عن «وجوب» ألا ترتبط المطالبة بقيام حكومة وحدة وطنية، بعرقلة المحكمة الدولية، وبين كلام سيد الصرح أمس عن أن عدم اقتناع «أهل السياسة بأن لكل من العائلات اللبنانية دوراً في بناء المجتمع (...) واذا شعر بعض هذه العائلات بالتهميش والإقصاء عن مراكز المسؤولية، فالعاقبة لن تكون سليمة».أوساط زوار الصرح في اليومين الماضيين أكدوا ان الفارق بين «التعبيرين المتمايزين عن الموقف الأساسي الواحد»، يعود الى الأسباب الموضوعية الآتية:
1 ــ إدراك الصرح منسوب الاستغلال السياسي والاعلامي، الذي يمارسه بعض الأفرقاء، حيال مواقفه المعلنة والصريحة، بدليل ما صوّر من موقف بيان المطارنة الأخير على أنه رفض بطريركي لحكومة الوحدة، أو حتى اصطفاف الى جانب السلطة في مواجهة التفاهم المعارض. ويشدد الزوار أنفسهم على كون هذا «الاستخدام» أثار استياء كبيراً لدى الصرح وسيده.
2 ــ رصد الصرح أيضاً لأداء لاحق بلغ حد الفبركة بغرض التقويل، بعدما كان مقتصراً على «الفذلكة» على قاعدة التأويل. وهذا الأداء ظهر مع قضية المناقلات القضائية، يوم وزع بيان مغفل حاول أن ينسب الى سيد الصرح مواقف لا علم له بها ولم تصدر عنه إطلاقاً، وذلك عقب زيارة القاضي أنطوان خير الله إليه في بزمّار.
3 ــ ذهاب النهج التشويهي نفسه الى حد الاختراع للإيقاع، كما حصل مع نشرة إحدى المحطات التلفزيونية التابعة للسلطة، التي سارعت يوم الأربعاء الفائت، وبعد أقل من ساعتين على إطلاق نبيه بري مبادرته، الى بث «معلومات منقولة عن مصادر»، تلمح الى رفض بطريركي مزعوم للمبادرة، وهو ما ثبت لاحقاً عدم صحته.
والى جانب هذه الأسباب المباشرة، يؤكد الزوار أنفسهم ان المسافة بين الموقفين معزوة أيضاً الى أسباب غير مباشرة، منها ظاهرة التكريس الشعبي لأرجحية ميشال عون المسيحية، التي تجلت في 15 تشرين الاول وبدأت تكرر كرة ثلجها الطلابية، كما فعلت قبل سنة. وهي ظاهرة لا يمكن بكركي تجاهلها. ومنها أيضاً «استفاقة» الفريق العوني على ضرورة تكثيف التنسيق مع الصرح، ما تجلّى في زيارات متتالية لنواب «تكتل التغيير والاصلاح»، كان آخرها قبيل الأحد، للنائبين فريد الخازن وابراهيم كنعان، مع حديث عن بحث موثق ومعمق لملفات الخلل المتفاقم نتيجة أداء السلطة، مع معلومات تشير الى لقاء تال بين عون والأساقفة الموارنة، قد يكون موسعاً أكثر من السابق، وعن زيارة وشيكة لعون إلى بكركي.
ويلاحظ الزوار أنفسهم ان مسارعة النائب جورج عدوان الى إعطاء صورة مختلفة عن مضمون العظة بعد زيارته الصرح يوم أمس، تؤكد القراءة السابقة بكل تفاصيلها. وتوقع هؤلاء ان يكون جدول زيارات بكركي في اليومين المقبلين حافلاً، بدءاً من صباح اليوم، وموزعاً بين من سيركز على قسم العظة المتعلق بخطر «العودة بلبنان الى عهد الوصاية»، وبين من سيطمئن الى كلمة البطريرك الأخيرة، من أن تهميش أي عائلة لبنانية عاقبته «لن تكون سليمة».
(الأخبار)