طارق ترشيشي
الأكثرية استعانت بالأسفار لتؤجل التشاور... واستحقاق الشارع

لا يبدو أن تأجيل انعقاد طاولة التشاور سببه أسفار بعض أركان “14 آذار” فقط، بل السبب الاساس كامن في ما تخطط له الإدارة الاميركية الواقفة على”شوار” الانتخابات النصفية المقررة في 7 تشرين الثاني المقبل.
فهذه الإدارة تُصرُّ على تعطيل مشروعي تأليف حكومة الوحدة الوطنية في كل من لبنان وفلسطين، مع العلم بأن هناك تناقضاً أو تبادلاً في المواقع بين طرفي حكومة الوحدة الوطنية. ففي فلسطين تقف حكومة “حماس” ضد الإدارة الاميركية التي تحاصرها عربياً ودولياً، فيما تدعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وفي لبنان، تحظى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الممثلة للأكثرية المتحالفة مع المشروع الاميركي بدعم عربي ودولي واميركي، فيما تحاصر واشنطن رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وتنكر عليه حق الشراكة السياسية في السلطة.
والغريب أن واشنطن التي تتذرع بأن “الانتخابات الديموقراطية” هي التي أوصلت الاكثرية في لبنان الى السلطة، تنكر على “حماس” وصولها بالديموقراطية أيضاً، لتعلن أن “الديموقراطية” تكون “حقيقية” إذا أوصلت إلى السلطة حكومة متحالفة معها، فنعم الديموقراطية في لبنان والعراق...! أما الديموقراطية التي توصِل حكومة ضد واشنطن كما هي الحال في فلسطين وبوليفيا وإيران فإنها “ديموقراطية أصولية وإرهابية”. ولهذا فإن واشنطن تعطّل تأليف حكومة وحدة وطنية في كل من لبنان وفلسطين لتستأثر منفردة بالتأثير السياسي ولعدم إعطاء مشروعية للقوى التي تصنفها إرهابية ومنها حزب الله و“حماس” لأنه عند قيام حكومة الوحدة الوطنية ستكون أمام خيارين كلاهما مُرّ. فإذا حاصرت هذه الحكومة تكون قد حاصرت أنصارها السياسيين، وإذا دعمتها تكون قد دعمت في شكل غير مباشر خصومها «الارهابيين» ما يناقض سياستها الاستراتيجية في مكافحة “القوى المتطرفة الإرهابية”. ولذا فإنها تسعى لشراء الوقت حتى نهاية السنة الجارية لتعديل بعض الاستحقاقات أو انتظار نتائجها، وأقربها الانتخابات النصفية الاميركية وتقرير القاضي سيرج براميرتس المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والملف النووي الايراني بعد انهزام واشنطن أمام المشروع النووي الكوري الشمالي وبعد انهزام إسرائيل أمام المقاومة في لبنان، خصوصاً أن القيادة الايرانية العليا ردّت سريعاً على المناورات الأميركية لمنع الانتشار النووي في الخليج، بتسريع الحلقات التالية للتخصيب النووي وحرق المراحل لضمان الحصول على تقنية نووية.
وفي انتظار كل ذلك، عملت الإدارة الاميركية في لبنان على خطين: خط المماطلة وشراء الوقت في موضوع “التشاور الوطني” الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وخط فتح قناة اتصال سعودية مع العماد ميشال عون الذي استقبل السفير السعودي عبد العزيز خوجة أخيراً وتلقّى دعوة منه إلى زيارة الرياض.
وفي فلسطين، عملت واشنطن على خط إطلاق الجندي الاسرائيلي الأسير مقابل تأليف حكومة وحدة وطنية تجمع بين “فتح” و“حماس” بوساطة سورية ــ مصرية، لكنها عادت وجمَّدت هذا الموضوع في اللحظات الاخيرة، فما كان من رئيس المكتب السياسي لـ“حماس” خالد مشعل إلا أن أرجأ زيارته للقاهرة.
وفي العراق، عملت واشنطن على خطين: خط إلزام الحكومة العراقية جدولاً زمنياً لـ“التخلص من الإرهابيين” والإمساك بالملف الامني، وخط تكليف الرئيس جلال الطالباني التصريح بوجوب طلب الإدارة الأميركية من دمشق وطهران تعاوناً على إحلال السلام في العراق بشرط أن تبديا “حسن النية”.
ويُستخلص من مجمل هذه القراءة أن إلادارة الاميركية قد بنت سياستها المرحلية في المنطقة على أساس احتمالَي الربح والخسارة في الانتخابات النصفية، فإذا ربحت وبقيت ممسكة بزمام القرار الاميركي تبقي على تشددها في كل الملفات، وإذا خسرت تكون قد مهَّدت لخطّة الاحتياط، وهي تجرُّع الكأس المرَّة بالاعتراف بدور سورية وايران في الشراكة لمعالجة كل هذه الملفات في العراق وفلسطين ولبنان، مقابل رفع الحصار عنهما والتعاون معهما، فضلاً عن الاعتراف بدور “حزب الله” و“حماس”.
وفي ضوء هذه المعطيات، استعانت الأكثرية بـ“الأسفار”، على ما يبدو، لإطالة أمد التشاور عبر تأجيل جولته الاولى التي كانت مقررة اليوم في انتظار نتائج الانتخابات النصفية الاميركية علَّها تصل الى أعتاب تقرير براميرتس مطلع كانون الأول، وعلَّها أيضاً تنقذ نفسها من استحقاق الشارع الذي قد يطيحها.