strong>فتحت عودة النازحين من الجنوب جرح مهجّري «حرب الجبل» النازف منذ حوالى ربع قرن، فحملوا مأساتهم وتوجّهوا إلى البطريرك نصر الله صفير، وطالبوه بمساعدتهم. وحملوا على تجاهل «الدولة» لحقوقهم، وخصوصاً نوّاب الشوف، وبعبدا ـ عاليهغسّان سعود

بعد سبعة عشر عاماً على انتهاء الحرب، لا يزال كثير من المسيحيين الذين هُجّروا من قراهم إثر حرب الجبل، ينتظرون الدولة للحصول على حقهم المكتسب. وتوقّف عدد من المحرومين من زيارة أرضهمعند «هبوب مؤسسات رسمية من سباتها العميق لتدبير شؤون النازحين من جراء العدوان الإسرائيلي الأخير». واستغرب المهجّرون الذين التقتهم «الأخبار»، ومعظمهم تَمَلَّك بجهده الخاص منازل في الأشرفية والمنصورية وساحل المتن، انتقاد الأكثرية النيابية الحاكمة لمبادرة حزب الله في إيجاد آلية عملية سريعة لإيواء الأهالي الذين تهدّمت منازلهم أو دمّرت جزئياً، وخصوصاً أنّ رجال الدولة مواظبون على ابتزازهم عشية كل انتخابات نيابية، من دون أن تنفذ الوعود وترجع الحقوق لأصحابهاوفيما أكّد عدد من نوّاب المناطق المهجّرة (أكرم شهيب وجورج عدوان) في المجالس السياسية، أنّ العمل على إنجاز المصالحات يتم بوتيرة عالية، وأنّ الملف شارف على نهايته وسيعلن إقفاله، كان الوزير نعمة طعمة يؤكد في الوقت نفسه، إثر زيارته المطران الياس عودة بتاريخ 24 حزيران 2006، القدرة على طيّ الملف خلال سنتين إذا ما توفّرت الأموال اللازمة. ومع إنشاء فريق عمل من وزارة وصندوق المهجرين للكشف الميداني على المباني والمنشآت المدمّرة والمتضررة بسبب العدوان الإسرائيلي، بدأ بعض مهجّري الجبل اتّصالات مكثّفة، والتحضير لتحرّك، أملاً في إيجاد من يتبنّى قضيتهم.
يرى المحامي فادي حداد، من بلدة كفرمتّى، أنّ المهجّرين، في المبدأ، يؤيّدون تولّي الدولة معالجة كافة المشاكل الوطنية. إلا أن التجربة السيئة تركت لديهم الانطباع الأكيد عن صوابية قرار السيّد حسن نصر الله عندما بادر بتقديم المساعدات للمتضرّرين و تكفّله بمعالجة الأزمة الناشئة عن العدوان الإسرائيلي. وأشار إلى أن الوحدة والمصالحة الوطنية لا تتحقّقان في غياب أبناء كفرمتّى عن بلدتهم. وقال «يُسمعنا وزير المهجّرين الحالي كلاماً نرفض سماعه بعد 15 سنة، وعلى الوزير أن يصرح بما فعله منذ تاريخ توليه الوزارة. عودة المهجرين تحتاج الى قرار سياسي ومالي، ويبدو أن الحكومة لم تتخذ أيّاً من القرارين المذكورين بخصوص الجبل».
ويوضح أنطوان البستاني، منسّق لجنة العودة إلى «عبيه»، أنّ عدم حصول المصالحات في بعض القرى مردّه إلى الرغبة عند البعض بإبقاء هذه المعاناة كورقة سياسية في يده، وخصوصاً أن المصالحات تنهي دور وزارة المهجرين، والمردود المالي والانتخابي الكبير الذي تعود به لبعض المنتفعين. فالمهجرون يشكلون أكثر من ستّة آلاف ناخب، يراهن بعض سياسيّي السلطة على استقطابهم في اللحظة الانتخابية الأخيرة عبر بضعة وعود. وكشف عن عدم حصول مسح للأضرار والدمار في بعض البلدات. واستغرب البستاني مسارعة الحكومة إلى التعويض للمتضررين جراء التفجيرات الأخيرة وحادثة الأشرفية، في حين أن لا أحد يكترث لمأساة الجبلالجدير بالذكر أنّ تكتّل التغيير والإصلاح يعدّ خطة لتبنّي قضية المهجّرين بشكل عملي عبر ضمّ ملفّي المهجرين القدامى والجدد. وأشار المهندس سيزار أبو خليل، المتابع لملف مهجري الجبل من قبل التيار الوطني الحر، أن البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة منذ سنة 1990 وحتّى الحكومة الحالية لم تخلُ من الإعلان عن العمل الجاد لعودة كريمة للمهجرين، والالتزام بإنهاء الملف وإقفاله التام. ويرى أبو خليل أنّ العودة لم تحصل بتاتاً فى قرى بريح، كفرمتى، عبيه وكفرسلوان، وكانت خجولة في قرى التهجير الأخرى، فلم تتعدَّ الـ17%.
وأكّد المهندس حكمت ديب، المرشح السابق للانتخابات عن دائرة بعبدا ـ عاليه، أن الكارثة الجديدة التي حلّت بلبنان جدّدت بوضوح قلّة ثقة اللبنانيين بالمراجع الرسمية. ويتضح يوماً بعد يوم سوء سمعة من تعاقب على وزارة المهجرين وصندوقهم، بدليل المطالبة بلجنة عليا للاهتمام بالنازحين. وأشار إلى سعي التيار الوطني الحر لربط حقوق المهجرين بمسألة النازحين الجدد. في المقابل، أوضح أحمد محمود، المدير العام لوزارة المهجرين، أن قرار شمل المهجرين بالتعويضات الحالية يتطلب قراراً حكومياً يتخطّى صلاحيات الوزارة. وفي اتصال مع الوزير جو سركيس، ممثل القوات اللبنانية في الحكومة، أكد بعد الاطّلاع على حيثيات القضية، اهتمامه بمعالجتها، واستعداده للاتصال بالوزير طعمة ـ الموجود خارج لبنان ـ وقال: «طالما أن العمل يتم اليوم لإيجاد حلول على وقع الحرب الأخيرة، فلا يجوز أن نبقي وراءنا رواسب حرب عمرها 25 سنة».
تجدر الإشارة إلى أن المهجرين الذين التقتهم «الأخبار» أجمعوا على الخيبة من الدولة والقيمين عليها. فالذين عادوا إلى الدامور وسوق الغرب وبحمدون ودقون ودفون، يشكلون مثالاً لتخلي الدولة عن مواطنيها. فبعدما أُذلّوا لسنوات في طوابير طويلة أمام شباك صندوق المهجرين وعلى أبواب قصور السياسيين، لم يستردّوا سوى القليل جداً من حقهم. وما زال أبناء كفرمتى وعبيه وبريح يحلمون بالعودة بعد أن بيعت بعض منازلهم وتم الاتجار بأرزاقهم. كما لا تزال قرى كاملة في الشحار الغربي، بعد ست عشرة سنة على وقف الحرب، تشبه الأحياء المدمرة في الضاحية، حيث الممتلكات مهجورة والبيوت مهدمة والطرق محفّرة والبنى التحتية معدومة.



سركيس: طالما أن العمل يتم اليوم لإيجاد حلول على وقع الحرب الأخيرة، لا يجوز أن نبقي وراءنا رواسب حرب عمرها 25 سنة.



عمل وزارة المهجّرين بالأرقام
بلغ عدد الطلبات التي تلقتها الوزارة من كل لبنان بين العامين 1992 و1997 حوالى 220 ألف طلب، منها 172 ألف طلب ترميم، و26 ألف طلب إعادة إعمار، و 23 ألف طلب إخلاء. وكان أعلاها من جبل لبنان، وأدناها 6200 طلب من الجنوب، إضافة إلى 23 ألف طلب من الشمال، 18300 من بيروت، و15500 من البقاع.
وصرف صندوق المهجرين بين عامي 1992 و 1997 تعويضات بلغت 689 مليون دولار، كان نصيب كل محافظة منها كما يلي: جبل لبنان 405 ملايين دولار، بيروت 173 مليون دولار، الجنوب 15 مليون دولار، البقاع 14 مليون دولار والشمال 8 ملايين دولار. ورصدت في ما بعد ميزانية «مشروع مليار دولار».
أثيرت تساؤلات كثيرة حول المبالغ التي أقرت في الميزانيات المتعاقبة لوزارة المهجرين. وأشار الوزير طعمة بعد تسلمه الوزارة إلى أن ملف المهجرين يحتاج إلى قرابة 400 مليون دولار. ورفض أن يكون إقفال الملف مقدمة لإقفال الوزارة، «إذ ثمة 400 موظف في الوزارة والصندوق، ولا يجوز رميهم في الشارع».
وتجدر الإشارة إلى تضارب الأرقام وتناقضها بين أقوال الوزراء الذين تسلموا حقيبة المهجرين، علماً أن معظمهم ينتمون إلى فريق سياسي واحد. وبلغ الفارق بين تقديرات وزيرين تولّيا هذه الحقيبة في أوقات مختلفة قرابة 4000 مليون ليرة. ودفع هذا الأمر الوزير الحالي إلى التعهد بتكليف شركة تدقيق للتحقيق في الملف.



  • عن الوزارة

    آليّة سير الملف
    تتألف «آلية سير الملف للترميم وإعادة الإعمار والترميم المنجزمن ست نقاط، تبدأ بتقديم المستندات الآتية: طلب من صاحب العلاقة. إخراج قيد إفرادي وعائلي. صور فوتوغرافية مصدَقة من المختار تثبت الضرر أو تقرير قوى الأمن أو كشف فني قديم أو تقرير خبير أو تصريح بالترميم. صورة سند ملكية أو إيجار. إفادة عقارية أو علم وخبر. إفادة بلدية. إفادة مختار. إفادة لجنة. استمارة كشف تؤخذ من الوزارة. وصية أو حصر إرث في حال الوفاة... يحصل المواطن على رقم خاص من وزارة المهجرين وعلى نموذج للمراجعة. ويحوّل الملف إلى دائرة المعلوماتية، ومنها إلى أرشيف المصلحة الفنية. ثمّ يحوّل إلى «الكشف»، لتبدأ بعد ذلك عملية فرز الطلبات حسب المنطقة. يحال الملف إلى قسم التدقيق للتحقيق... بعد ذلك، تعبأ استمارة على وجه الملف إذا كان مكتملًا، يكتب عليها «الملف مستكمل ومدقق».

    «يوم أهدرنا»
    ردّ النائب وليد جنبلاط، في «مؤتمر دعم عودة المهجرين» المنعقدبتاريخ 4/7/1998، على الاتّهامات بالهدر يوم كان وزيراً للمهجّرين، فصرّح بالآتي:
    «أهدرنا عندما قمنا بالمصالحات التاريخية والإصلاحات..
    أهدرنا عندما أعطيت بعض عائلات الشهداء... أهدرنا عندما تحوّلت وزارة المهجرين وزارة إسكان..
    أهدرنا عندما نجحنا على رغم الصعاب الجمة بإعطاء القليل للمتضررين في الإقليم...
    أهدرنا في بيروت عند التدخّل لدعم فقير أو محتاج...».