طرابلس ــــ فريد بو فرنسيس
يتعرّض الصيادون، منذ فترة طويلة، إلى كثير من الضربات الموجعة التي تلاحقهم باستمرار مع بروز كل أزمة. فهذه الشريحة الواسعة من الناس لم تحظ بالاهتمام اللازم لتوفير شروط عيشها الكريم. وقد باتوا مهددين بانهيار اقتصادي واجتماعي.
يعاني الصيادون أساساً ضيقاً كبيراً ومتصاعداً في رُقع الصيد، وخصوصاً مع وجود المحميات التي يمنع الصيد في محيطها، إضافة إلى المنتجعات البحرية المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني والتي تحولت الى كانتونات خاصة يمنع الصيادون من الاقتراب منها. وما يزيد الوضع صعوبة تعدد النقاط العسكرية، الممنوع عليهم الصيد قربها. أضف إلى ذلك مشكلة المرافئ والمصافي والمصبات النفطية. فهذه المناطق تحاول القضم الدائم من أماكن العمل. وأدّى ذلك كلّه إلى وضع يجد الصيادون أنفسهم فيه عاطلين عنالعمل بسبب اختزال مساحات الصيد. تأتي هذه الأحداث الأخيرة التي عصفت بلبنان لتزيد من مأساة الصياد اللبناني، وخصوصاً بعدما تدفّقت كميات ضخمة من الفيول أويل من خزانات الجية جراء القصف الإسرائيلي، مما أدى إلى تحذيرات من تلوث مياه البحر، واحتمال تلوث السمك ونقل التسمم منه إلى الإنسان.
وبعدما منعت الأحداث الأخيرة الصيادين من ممارسة مهنتهم، وخلا السوق من السمك، يبدو المنظر مختلفاً اليوم. فالأسماك تتكوّم على بسطات المسامك، ولا يجرؤ المواطن على ابتياعها خوفاً من التسمم الذي حذّر البيئيون منه.
تتجه الأزمة نحو حلحلة محدودة، إذ عاد مواطنون "مغامرون" لارتياد المسامك ولكن بأعداد قليلة، مما أبقى سعر السمك منخفضاً مقارنة بالسعر السابق، وهو بحسب مصادر الصيادين "سعر لا يغطي نفقات الصيد. الوضع اليوم أصبح أفضل من السابق. فحركة البيع بدأت تتحرك بشكل بطيء".
الصيادون الذين صادفناهم خلال جولتنا على مرفأ الصيادين في الميناء، كانوا مستائين من الأوضاع المتردية التي وصلوا اليها، وهم يتخوفون من أن تشتد هذه الأوضاع في المستقبل، إنّهم يقضون معظم أوقاتهم في ترتيب الشباك، وتنظيف المراكب وتجهيزها، آملين أن تحمل إليهم الأيام القادمة مزيداً من التحسن .
وكما هي الحال في ميناء طرابلس، كذلك هي في بلدة أنفه في قضاء الكورة. فالوضع مشابه تماماً لهذه الشرائح من الناس، وقد تحدث إلينا رئيس تعاونية الهري للأسماك علي السمروط، وقال: "جاءتنا كارثة البقعة النفطية الممتدة على طول الشاطئ اللبناني لتزيد من تردي أوضاع الصيادين، وتؤثر بشكل مباشر في حركة السوق، والحمد لله أن أثرها لم يكن كبيراً عندنا، إذ إنها لم تصل بشكل كبير الى شواطئنا، وسرعان ما اختفت عن الشاطئ. لكنّ هذا الأمر سبّب هلعاً وخوفاً عند المواطنين الذين امتنعوا لفترة عن أكل السمك، ولكن اليوم عادت الحركة تدريجياً الى هذه السوق ولو بشكل خفيف".
وزارة الزراعة أكدت في بيان أصدرته اليوم في بيروت "خلو الأسماك ذات المنشأ المحلي من أي تلوث وأي جراثيم مضرة بصحة الإنسان، وأنها صالحة للاستهلاك البشري". ولفتت الى أنها «تابعت قضية التلوث الذي أصاب الشاطىء اللبناني بعد تعرض منشآت معمل الجية الى القصف خلال العدوان الإسرائيلي، وخصوصاً خزّانات الفيول أويل التي تسربت محتوياتها إلى البحر، فأخذت عينات من الأسماك وعلى فترات متلاحقة، كانت آخرها العينة التي أخذت في 25 آب الفائت، حيث أصدر مختبر الفنار التابع لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية اللبنانية شهادة رقابة صحية في 31 آب الفائت، ونتيجة الفحوص المخبرية أكدت خلو الأسماك ذات المنشأ المحلي من أي تلوث أو أي جراثيم مضرة بصحة الإنسان».
يذكر أنّ قسم النقابات في حزب الله قام أمس بتوزيع المساعدات المالية للصيادين على طول الساحل الجنوبي. وشكر الصيادون "المقاومة وسيدها على الانتصار الذي حققوه على العدو"، آملين من الدولة ان "تنظر اليهم والى عوائلهم لانه اذا استمر هذا الحصار فهناك آلاف العائلات تعتاش من قطاع صيد الاسماك". وكانت نقابة صيادي الاسماك في مدينة صور نفذت اعتصاما حاشدا في مرفأ الصيادين في المدينة، «تنديدا بالحصار الذي يفرضه العدو الصهيوني عليهم منذ اكثر من اربعين يوما»، في حضور رؤساء نقابات صيادي الاسماك في صور وبيروت والشمال ومئات الصيادين وفاعليات.