strong>الحلّ بإعادة تصنيع مخلّفات البناء وآثار خلدة ليست للطمرشاطئ الأوزاعي يردم. خبر تُستعاد من خلاله قصة استباحة الشاطئ اللبناني على امتداد سني الحرب والسلم. فالضبيه والنورماندي وبرج حمود سهول وجبال اصطناعية شاهدة. البرّ امتلأ بسرعة قياسية، وبحر الأوزاعي يكفيه ملوّثات الصرف الصحي وعصارة نفايات مطمر الناعمة. أما إعادة تصنيع المخلّفات فلم تدخل في الحسبان بعد.
بسام القنطار

سبّبت مسألة التخلّص من ردم الضاحية الجنوبية أخذاً وردّاً بين أكثر من جهة ووزارة. وحازت المسألة اهتماماً إعلامياً بعضه ينطلق من خلفية بيئية، وبعضه الآخر يخلط ما بين السياسة والبيئة إلى حد يجعل الجاهل بمنطقة الأوزاعي، وتحديداً النقطة التي تُرمى فيها الردميات، يشعر بأنه الشاطئ المثالي على البحر المتوسط.
ليس ردم البحر في منطقة الاوزاعي، وتحديداً في المنطقة الممتدة من نهاية النفق وصولاً الى منطقة الآثار في خلدة، هو الكارثة البيئية الأولى التي أصابت هذه المنطقة. إنها أكثر منطقة موبوءة على الشاطئ اللبناني، لا بل نستطيع المجازفة بالقول إنها المنطقة الأكثر تلوثاً على شاطئ المتوسط. إنها المكبّ العشوائي لمياه الصرف الصحي منذ سنوات.
ومنذ تكليف مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ الخطة الطارئة لإدارة النفايات الصلبة المنزلية في بيروت الكبرى وجبل لبنان، أصبحت هذه المنطقة البؤرة التي تُفرغ فيها عصارة النفايات الناجمة عن مطمر الناعمة، مع ما تحمله هذه المادة السوداء، التي ينقل منها ما يزيد على مئة شاحنة في اليوم الواحد، من ملوثات عضوية بالإضافة إلى مواد مسرطنة. فقد تحوّل هذا المطمر الشهير إلى مدفن لجميع أنواع النفايات، بما فيها بقايا رماد النفايات الطبية المحروقة وبقايا المواد الإلكترونية التالفة. وتمثّل هذه المواد مصدراً كبيراً وأساسياً لانتشار ملوثات خطيرة على الصحة العامة كالديوكسين والمعادن الثقيلة المسببة للسرطان.
نقل الردميات ورميها عند شاطئ الاوزاعي أمر مرفوض، وإعادة تدوير مخلفات البناء من بديهيات مسار إعادة الإعمار في أي بلد. لكن النماذج السابقة في التعاطي مع مخلّفات البناء في لبنان لا توحي بالثقة. فمكبّ النورماندي العشوائي على شاطئ البحر في وسط بيروت، الذي استخدم في أوائل تسعينيات القرن الماضي لرمي النفايات ومخلّفات البناء وموادّ الأنقاض التي نشأت خلال فترة الحرب بين عامي 1975 و 1994، شغل رقعة مساحتها 330.000 م2وقد أنفقت شركة سوليدير التي عُهد إليها استصلاح منطقة مكب النورماندي ما يزيد على 120 مليون دولار، من أجل إنتاج ارض قابلة للتطوير بمساحة حوالى 650.000م2. هذه الأرض التي أصبحت اليوم تساوي ملايين الدولارات.
لكن الاوزاعي ليست «سوليدير»، وكذلك الحال مع مكب برج حمود الذي سينتظر طويلاً قبل أن تفكر الدولة بتفكيكه ومعالجته. ويجب ألا يؤدّي رمي مخلّفات البناء عند شاطئ الاوزاعي إلى جعله مكباً عشوائياً للنفايات المنزلية في المستقبل القريب، وخصوصاً أن لبنان مقبل على أزمة بيئية في هذا الملف بعدما امتلأ مطمر الناعمة، وفي ظل توقع ازدياد الاعتراضات الشعبية على إقامة مطامر مشابهة وخصوصاً في منطقة الشوف.
اعتُبر شاطئ الأوزاعي المكان الأنسب لوضع المخلفات، بعدما استنفدت طاقة العقار الواقع قرب طريق المطار في محلة المرامل. وبعدما تبين أن جزءاً كبيراً من هذه المخلفات قد رُدم في البحر، باشرت وزارة النقل البحث عن قطع ارض بديلة. وإذا كانت القطعة الأولى قرب مرفأ الصيادين في الاوزاعي تبين إمكان الاستفادة منها لتخزين تلك الردميات، فإن القطعة الثانية المقترحة قرب الآثار في منطقة خلدة هي في الواقع جزء لا يتجزأ من هذه الآثار، وتخزين الردميات فيها يعني القضاء على ما بقي من آثار في تلك المنطقة التاريخية التي تعود إلى الحقبة الرومانية. وكأنّ الاهتمام بالآثار لم يعد يعني أحداً في لبنان. فهذه المنطقة الغنية بالآثار عانت بسبب مرور الطريق السريع فيها، وبُترت إلى نصفين، طُمر القسم الأول منها وبقي القسم القريب من الشاطئ بدون عناية، فتحوّل إلى منطقة عسكرية وتُرك كل ما فيه من نواويس وفخاريات وموزاييك ضحية الإهمال والعبث.
لا يكمن الحل إذاً في البحث عن عقارات جديدة للتجميع، أو في طمر البحر الذي يمثّل شاطئ الأوزاعي المكان الأمثل لوصفه انه «سلة مهملات تاريخية». الحل في الإسراع بعملية تلزيم أعمال تفكيك تلك المواد وفرز المعادن منها وطحن المواد الباقية تمهيداً لاستخدامها في مختلف الأوجه.