نقولا ناصيف
تنقضي اليوم، 2 أيلول، السنة الثانية على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559. وتنقضي غداً، 3 أيلول، السنة الثانية على الولاية الممددة للرئيس إميل لحود. الحدثان يكادان يكونان توأمين. الأول مهّد للإنقلاب السياسي على دور سوريا ووجود جيشها ورجال حكمها في لبنان، قبل أن يضع اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري بعد أربعة اشهر الإنقلاب موضع التنفيذ.. والثاني الذي استبق الإعداد له وضع القرار أتى ردّ فعل على تشبّث دمشق بوضع يدها على هذا البلد. مذذاك أصبح لبنان مسألة دولية: تارة بالحضّ على استعادته سيادته واستقلاله، وطوراً بجعله بوابة الى الديموقراطية العربية المفقودة والى الشرق الأوسط الكبير. تلاحقت سبحة قرارات مجلس الأمن الى أن بلغت تسعة حتى صدور القرار الأخير رقم 1701 في 11 آب الفائت.
كان قد أُعدّ لفصول متتالية للقرار 1559 منذ اجتماع باريس بين الرئيسين جاك شيراك وجورج بوش في 5 حزيران 2004 تحت شعار إنهاء الوجود السوري في لبنان، من غير أن يكون مؤكداً تمديد ولاية الرئيس اللبناني، وكانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس - مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي حينذاك - منذ احتفال أقيم في السفارة اللبنانية في واشنطن في 12 آذار 2004 افتتحت الحملة الأميركية الرافضة تعديل الدستور اللبناني والتدخّل السوري في انتخابات الرئاسة. ومع انقضاء السنة الثانية على صدوره أضحى القرار مأزقاً دولياً بمقدار ما كان ولا يزال مأزقاً لبنانياً. أحدث الإنقلاب وقَلَبَ المواقع والأكثريات رأساً على عقب، إلا أنه وضع الجميع، قوى 14 آذار التي قادت الإنقلاب والفريق الشيعي الذي قاد الإنقلاب المضاد، في مشكلة تبدو الآن على الأقل غير قابلة للحل. وتعكس هذا الواقع الملاحظات الآتية:
أولاها- أن القرار الذي أرغم دمشق على إخراج جيشها واستخباراته العسكرية من لبنان في 26 نيسان 2005، لم يفقدها تماماً نفوذها السياسي فيه. وهو ما عبّرت عنه جولات طويلة من مؤتمر الحوار الوطني الذي وضع الزعماء اللبنانيين وجهاً لوجه الى طاولة مستديرة بعيداً من وسيط عربي أو دولي. أخفقوا في تنفيذ ما أجمعوا عليه في الملفات الشائكة التي أورثتها دمشق لمن خَلَفَها في إدارة لبنان، أي فريق الغالبية الحاكم. والمقصود بذلك السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والعلاقات الديبلوماسية اللبنانية - السورية، وسلاح «حزب الله»، ولبنانية مزارع شبعا. مع أن آخر أبناء القرار 1559، وهو القرار 1701، قدّم حلولاً متقدّمة وإن جزئية لمشكلات أثارها المتحاورون اللبنانيون. بل الأصح القول أن القرار 1701 انتزع ملفاً واحداً فقط من طاولة الحوار الوطني، هو وضعه حدّاً نهائياً لاستخدام «حزب الله» سلاحه وترسانته العسكرية عند «الخط الأزرق» مع إسرائيل وكفّ هجماته على الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا مع انتشار الجيش اللبناني والقوة الدولية في هاتين المنطقين. لكن العبرة الموازية لما أفضى اليه القرار 1701 أنه ضاعف من تردي العلاقات اللبنانية - السورية التي تبدو أقرب الى قطيعة منها الى آمال ببعث حوار ما بين البلدين. وبسبب ما افضى اليه القرار 1559 في محاولة تفكيك العلاقات اللبنانية - السورية من غير ان ينقذ لبنان تماماً من دمشق, اعترف كل القرارات الدولية الصادرة بعده بدور سوريا في تنفيذها مدخلاً الى استقرار لبنان.
والواضح أن ليس في وسع القرار 1559 إرغام القيادة السورية على تنازلات أكثر وأكبر مما أُرغِمت عليه حتى الآن، أي إخراج جيشها من لبنان وتفادي التدخّل العلني في شؤونه. بذلك يتبدا أكثر فأكثر مغزى حيلة مجلس الأمن وعرّابيه الرئيسيين، واشنطن وباريس، والتي تريد أن تنتزع بقرارات جديدة ما عجزت عن إرغام سوريا عليه بالقرار 1559. لذا كانت وظيفة أحدث القرارات تلك، وهو القرار 1701، فك الإشتباك غير المباشر السوري - الإسرائيلي عند «الخط الأزرق» وفي مزارع شبعا.
ثانيتها - أن التوصّل الى الحل الذي يتطلبه القرار 1559 بالنسبة الى سلاح «حزب الله» بات أكثر تعقيداً. والأحرى أن القرار 1701 الذي أخرج مزارع شبعا و«الخط الأزرق» من دائرة المواجهات العسكرية تجنّب الخوض في طريقة إيجاد حل لهذا السلاح، وأحال الأمر على القرار الأب، وهو القرار 1559، العاجز بدوره عن إيجاده، مثلما أحال الإستقرار عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية على المرجعية التي نصّ عليها اتفاق الطائف، أي اتفاق الهدنة عام 1949. على نحو كهذا أضحت مشكلة سلاح «حزب الله» مزدوجة: بعدما أخفق مؤتمر الحوار الوطني في إقناع الحزب بالتخلي عنه لئلا يُقال أنه كرّس تبنيه سعياً الى تحرير المزارع، عجز الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الـ33 عن تجريده إياه بالقوة. باتت الصواريخ المخبأة في المنطقة الخالية من السلاح وكذلك في شمال نهر الليطاني جزءاً من المناورة السياسية لـ«حزب الله» في المرحلة المقبلة، من دون أن يُقدم بالضرورة على استخدامه، ولا هو يريد ذلك كما يجهر.
ثالثتها - أن البلاد، ستكون بعد أشهر قليلة، وعلى الأرجح منذ كانون الثاني المقبل، على أهبة خوض معركة خلافة الرئيس الحالي الذي يكون قد تبقى من ولايته عندئذ 11 شهراً من ضمنها المهلة الدستورية التي تبدأ في 24 أيلول 2007. وفي خضم نتائج ما شهده لبنان أخيراً، انتهاء بالحرب الإسرائيلية، يبدو الإتفاق على رئيس خلف ضرباً من الوهم. وقد يكون السجال الدائر حالياً على مصير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والمطالبة بإسقاطها جزءاً من مشكلة مرشحة للتفاقم:
- بين غالبية تتمسك بالحكومة الحالية حماية لأكثريتها فيها واستعداداً لحلولها مجتمعة في منصب الرئاسة في حال شغر قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية عملاً بالمادة 62 من الدستور.
- وفريق ثان هو الفريق الشيعي الذي يتمسّك راهناً على الأقل باستمرار الحكومة الحالية في مقابل ثمن سياسي ينبغي أن يستنزف غالبيتها في وقت لاحق هو أن حرب 12 تموز باتت توجب توازناً سياسياً جديداً في الحكم.
- وفريق ثالث هو الرئيس ميشال عون الذي لا يزال يتصرّف على أنه المرشّح الأقوى حظاً للمنصب وخصوصاً في حصيلة الخلاصة السياسية لحرب 12 تموز وتأثيرها على علاقته بـ«حزب الله», وعلى الموقع الجديد للحزب في المعادلة الداخلية، وقد أصاب عون في رهانه على التنظيم الشيعي القوي. وفي واقع الأمر أضحى ما نصّ عليه القرار 1559 حيال لحود عديم الجدوى وقد أوشك الأخير على ختم ولايته الدستورية على نحو طبيعي على وفرة الضغوط الدولية والعزلة المحلية التي واجهها.
بعد سنتين, ربما بات المطلوب نعي القرار 1559 ووضعه في ادراج النسيان.