strong>عتبر وزير خارجية الجمهورية اليمنية الدكتور أبو بكر القربي أنّ افتقاد الجامعة العربية لعمل مؤسسي دائم هو الذي يؤجل جهودها في مساعي إعمار لبنان. ووصف آليات القرار 1701 بالعائمة التي لا تخدم الحق اللبناني ولا تحميه، مؤكّداً أنّ سوريا مستهدفة من القوى الخارجية وأنّ العرب بحاجة إلى قمة «استثنائية»، لا قمّة طارئة.
¶ خرجت اجتماعات وزراء الخارجية العرب بقرارات عدّة، كان أهمها إيجاد آلية عمل لإعادة إعمار لبنان. هل هناك تنسيق عربي لمتابعة هذا القرار؟
ــ اتّفق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة على ضرورة أن يكون هناك جهد عربي مميز في إعادة إعمار لبنان التي نسعى إلى ألا توظّفها أي دول أخرى ستقدّم الدعم أيضاً. الجزء الأكبر من إعادة الإعمار ستقع على العرب لا على الآخرين، وهذا واضح من خلال الالتزامات التي قدمتها الدول العربية، سواء كانت السعودية أو الإمارات أو الكويت أو قطر أو حتّى اليمن بإمكاناتها البسيطة.

¶ هل هناك تنسيق عربي الآن؟
ــ للأسف الشديد، تفتقد الجامعة العربية آليات العمل المؤسسي في جهود مثل إعادة الإعمار لأي بلد عربي قد يتعرض للدمار، ليس فقط من الحروب ولكن أيضاً جراء الكوارث الطبيعية كالفيضانات الحاصلة في السودان الآن. وبسبب هذا القصور في عمل الجامعة، حرصنا على تنظيم الجهد العربي بالتنسيق مع لبنان الدولة المعنية والمستفيدة من هذا الدعم، وبمشاركة الدول العربية، حتّى يتمّ إيجاد عمل مؤسسي للجهود العربية، وذلك في إطار صندوق لإعادة الإعمار يعمل بالتنسيق مع الدعم الذي سيأتي من الدول الإسلامية والأوروبية. وتضع
الأمانة العامة للجامعة العربية هذا التصور الآن، مع لبنان، ليتم إقراره والبدء بالعمل به.

¶ هل تدخل المساعي العربية الفردية ضمن جهود الجامعة العربية؟
ــ بكل تأكيد، ستصب في الاتجاه نفسه، وفي إطار الجامعة. وأرى أنه من المفيد ألا توضع أي شروط أو قيود على الآلية التي تقدم فيها الدول العربية الدعم. وأرى أن في ذلك تطويراً لآلية الجامعة العربية، وبالتالي تتحمل أي دولة عربية ترغب في تقديم الدعم المباشر للحكومة اللبنانية مسؤولية إعمار ما حدّدته من قرى أو ما ستقدّمه من مساعدات بشكل مباشر ومستقل. وأرى في هذا مميزات أهمها التسريع في الإنجاز من دون تباطؤ.

¶ دعت اليمن والسعودية وبعض الدول العربية لعقد قمة عربية طارئة. لماذا لم تعقد القمة إلى الآن؟
ــ كانت لليمن المبادرة الأولى إلى عقد قمة عربية في الوقت الذي تصاعد فيه العدوان على الشعب الفلسطيني. ثم بدأت الحرب على لبنان، وكان أمام اليمن عدد من القضايا المقترحة للقمة الطارئة مثل لبنان وفلسطين والعراق والسودان والصومال، وإن أخذ الموضوع اللبناني الاهتمام الأكبر.

¶ ولماذا سحبت اليمن طلبها لعقد قمة عربية؟
ــ بعد انتهاء الفترة التي حدّدتها اليمن للحصول على النصاب لعقد القمة من دون أن يتوفّر النصاب اللازم، أوقفت اليمن مساعيها لعقد القمة خوفاً من أن يؤدي انعقادها إلى خلافات تعمّق الانقسام العربي. وبالتالي أوقفت اليمن مساعيها، لكن لم تسحب طلبها.

¶ أما كان بالإمكان تلافي هذه الخلافات التي كانت ستؤدي إلى المزيد من الانقسامات بين الدول العربية لبحث قضية هامة هي العدوان على لبنان؟
ــ تعرفون أنّ الدول تتّخذ مواقفها من تحليلاتها والمعلومات التي تصل إليها. وبالتالي، قد لا يكون القرار في اللحظة التي يتّخذ فيها بعين الاعتبار كل الأبعاد والخلفيات. وهذا ما سبّب الخلاف والانقسام العربي لعدم توافر خلفيات الموقف. وهذا ما حصل في اعتقادي لمواقف الدول العربية التي لم تكن تدرك أنّ الاعتداء الإسرائيلي على لبنان لا علاقة له بخطف الجنديّين.

¶ ومن أين استقيتم معلوماتكم بأن الاعتداء كان مخططاً له قبل عملية الخطف؟
ــ لدينا الكثير من المعلومات التي تؤكد صحة هذا الكلام، جاء بعضها من الدول المعنية في المنطقة وكذلك عبر ما صدر من وسائل الإعلام، وخصوصاً الأميركية، وما جاء في «النيويوركر» من أنّ العدوان كان مخططاً له قبل أشهر، وقد تمت التدريبات اللازمة له وأيضاً النقاشات بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي، وذلك للقضاء على المقاومة اللبنانية وحزب الله.

¶ والآن هل من جدوى لعقد القمة العربية؟
ــ في اعتقادي بأن ثمّة أهمية لعقد قمة استثنائية لا «طارئة» بالتعريف الدقيق لمعنى «طارئة»، لبحث القضايا التي استجدّت خلال الأشهر الماضية، وبالذات منذ الحرب على لبنان. تلك الحرب التي أظهرت حاجة القادة العرب إلى أن يقفوا ويناقشوا أهمية العمل العربي المشترك، حتى لا يتكرر سوء الفهم الذي حدث في حرب لبنان، وحتى يكون هناك تحكم في المواقف العربية.

¶ هناك جهد دولي كبير في لبنان الآن. هل يوجد تنسيق عربي مع هذا الجهد؟
ــ عندما تتحرك الدول الأوروبية، تتواصل دائماً مع الدول المعنية في المقام الأول، لبنان في هذه الحال، وتتواصل أيضاً مع من تعتبرهم الدول القائدة في المنطقة مثل مصر والسعودية. وتتواصل أيضاً مع الدول ذات العلاقة، كسوريا مثلاً. وفي نظري أن الإشكالية ليست في التنسيق بين العرب والآخرين، وإنما بين العرب أنفسهم لأننا لا نتبادل المعلومات التي تصلنا من هذه الأطراف حتى ننسّق مواقفنا لتصب كلها في خدمة لبنان والقضايا العربية.

¶ كيف تنظرون إلى قرار مجلس الأمن (1701). هل هو خطوة لمساعدة لبنان؟
ــ أعتبر هذا القرار خطوة متقدمة بالنظر الى مشروع القرار الذي كانت فرنسا وأميركا قد اتفقتا عليه. وهذا يُحسب للجهد العربي الذي أظهر وحدة صف، ورفض أي محاولات لفرض الحلول على اللبنانيين. أمّا القراءة القانونية للقرار فتظهر التحيز الكامل لإسرائيل، على رغم ما فيه من إيجابيات مقارنةً بالقرار الذي سبقه، وعلى رغم أنّه يأتي تحت الفصل السادس. لكن صياغاته تكاد تضعه تحت الفصل السابع، وهذا ما يعطي القوات التي سترسل الحق في فرض السلام لا الحفاظ عليه. إن القرار نظر في المطالب الإسرائيلية ولم ينظر في المطالب اللبنانية. الملاحظة الأخيرة لي في ما يخص القرار 1701 هي أن آليات تنفيذه تركت «عائمة» بحيث يمكن أن تفصّل عليه آليات قد لا تخدم الحق اللبناني ولا تحميه. لهذا لا بد من استمرار الجهد العربي في المرحلة المقبلة لمراعاة الحق اللبناني في تطبيق قرار مجلس الأمن.

¶ قلتم في بيروت إنّ مسألة نزع سلاح حزب الله شأن لبناني داخلي. والآن تسعى الولايات المتحدة الأميركية لإصدار قرار تحت الفصل السابع لنزع سلاح حزب الله. كيف تنظرون لهذا الأمر؟
ــ للأسف، إنّ السياسات الأميركية لا تستفيد من الحقائق على الأرض، ولا تهتم بنتائج المواقف السلبية التي تتّخذها. وأنا أتساءل لماذا حمل حزب الله السلاح؟ حمل السلاح لتحرير أرض لبنانية محتلة، وقد حرر جزءاً منها وبقيت مزارع شبعا، واذا حررت المزارع لن يكون هناك مبرر لحمل حزب الله للسلاح، وهذا ما أعلنه الحزب نفسه. ولهذا، فإنّ المعالجة الطبيعية هي أن تفرض أميركا، وهي تستطيع ذلك، على إسرائيل مغادرة مزارع شبعا، وبالتالي ستعود العلاقات اللبنانية اللبنانية الى طبيعتها، ويتولى الجيش حماية الاراضي اللبنانية ويبسط سلطته في جميع المناطق.
¶ الأجواء في سوريا ملبّدة بالغيوم، وخصوصاً في علاقاتها مع دول عربية مؤثرة كمصر والسعودية والأردن. ماهي الأسباب وراء هذه الحساسيات؟
ــ أتصوّر أنّ علينا بذل الجهود لإزالة هذه الغيوم، لأنه ليس من مصلحة العرب الاختلاف اليوم، لأن سوريا دولة مهمة في المنطقة نتيجة الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين، وهي الآن دولة مستهدفة بكل تأكيد. فنحن نرى الاتهامات تتوالى على سوريا من دون تقديم الأدلّة الحقيقية بين الدول العربية.

¶ وما سبب هذه الاختلافات؟
في اعتقادي، إن السبب الرئيسي وراء هذه الخلافات الذي يجب ألا نغفله هو أنّ هناك قوى خارجية تحاول دائماً تسميم العلاقات العربية. السبب الآخر هو ردود الأفعال التي لا تحسب نتائجها جيداً.

¶ وماذا عن توتر العلاقات بين سوريا ولبنان؟
ــ الواضح أن هناك حرصاً من سوريا ولبنان على أن تكون علاقاتهما طبيعية، وهذا لا يحتاج إلى نوايا فحسب، لكن أيضاً إلى جهد سياسي يجب أن تبادر إليه الدولتان، لأن العقلية العربية للأسف تنتظر من الطرف الآخر أن يبادر، وهذا يبطّئ أحياناً من إيجاد المعالجات التي قد تكون سهلة.

¶ ما هو الجديد على الساحة الفلسطينية؟
ــ ما نراه في فلسطين هو إرهاب الدولة الإسرائيلية يقابله للأسف صمت دولي مريب.

¶ وبماذا تفسرون هذا الصمت؟
ــ هذا جزء من المخطط الذي تهدف إليه إسرائيل ومن يرعاها للقضاء على المقاومة الفلسطينية.

¶ وأين الدور العربي؟
ــ للأسف، الموقف العربي سلبي حتى الآن. وقد يكون اعتراف الدول العربية بأن مسيرة السلام قد انتهت هو الأمر الإيجابي الوحيد. علينا الآن نقل الملف إلى مجلس الأمن والدعوة الى مؤتمر دولي لحل الصراع العربي الاسرائيلي. ونحن نبذل جهوداً مع الأطراف الفلسطينية كي يصلوا لكلمة واحدة، لأن صراع الفصائل الفلسطينية يعطي إسرائيل المساحة لاستهداف القيادات الفلسطينية وإيقاد فتنة بينهم وتنفيذ مخططاتها.

¶ ننتقل إلى الشأن السوداني. كيف تفسّرون الضغط الدولي على السودان؟
ــ إن الصراع في دارفور ليست كما يتصورها البعض صراعاً بين العرب والأفارقة السودانيين، وإنّما هو خلافات قبلية في المقام الاول، ثم وظّفت الأحزاب السياسية السودانية القضية سياسياً، لتستغله بعد ذلك الأطراف الخارجية وتوظفه وفق مصالحها وأهدافها الإقليمية، وخصوصاً مع ظهور الثروات السودانية كالنفط والمعادن. والمشكلة الأساسية في دارفور هي افتقاد الدعم اللوجستي في الإقليم الذي تبلغ مساحته مساحة فرنسا تقريباً، وهو الذي عجزت الحكومة السودانية والقوات الأفريقية عن السيطرة عليه، لأن الإقليم يفتقد كل احتياجاته من البنى التحتية كالطرق والمطارات. وإذا ما جاءت القوات الدولية إلى الإقليم، ستواجه الفشل نفسه والصعوبات نفسها. أضف إلى ذلك أنها قوات مرفوضة من الحكومة التي لن تقدم لها الدعم.

¶ وفي الشأن اليمني، ما الذي يميّز الانتخابات الرئاسية اليمنية عن غيرها من الانتخابات في المنطقة العربية؟
ــ ما يميّز التجربة اليمنية في الانتخابات الرئاسية هو ما نراه هذه الايام من حملات انتخابية أعطت كل مرشح من مرشحي الرئاسة الحقوق والحريات نفسها في التعبير عن رأيه عبر وسائل الاعلام الرسمية بطريقة شفافة تماماً.

¶ ماذا تنتظرون من مؤتمر المانحين الذي سيعقد في تشرين الثاني المقبل في لندن؟
ــ نسعى إلى أن يحقق هذا المؤتمر النتائج المرجوّة منه، في ما يتعلّق بالدعم التنموي. فلدينا في الخطة الخمسية القادمة عجز سنوي يقدر بمليار وسبعمئة مليون دولار، وما تأكد حتى الآن توافره من الدول المانحة والمؤسسات الدولية يتراوح بين الأربعمئة والخمسمئة مليون دولار. لذلك، تحتاج اليمن إلى التزامات من الدول التي يهمّها تأهيل الاقتصاد اليمني، لتمويل بقية العجز السنوي، حتّى يتحقق الغرض من تأهيل الاقتصاد اليمني، فيصبح مؤهلاً لدمجه في اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي.




الموقف العربي سلبي حتى الآن. وقد يكون اعتراف الدول العربية بأن مسيرة السلام قد انتهت هو الأمر الإيجابي الوحيد. علينا الآن نقل الملف إلى مجلس الأمن والدعوة إلى مؤتمر دولي لحل الصراع العربي الإسرائيلي. ونحن نبذل جهوداً مع الأطراف الفلسطينية كي يصلوا إلى كلمة واحدة.