strong>يواجه اهل البقاع أصنافاً عدة من الحرمان: تقصير الدولة التاريخي، وهمجية العدوان الإسرائيلي، ثم إصراراً على تطبيق القوانين في ما يختص بإتلاف مزروعات “الحشيشة” وإن كان على حساب أرزاق الناس وموارد عيشهمعمر نشابة

أكّد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لـ“الأخبار” أن “لا شيء يبرّر استمرار زراعة الحشيشة التي تسيء إلى سمعة البلد”، وقال بلهجة صارمة إن الدولة عازمة على إرسال “قوة كبيرة جدّّاً” لمواجهة مزارعي الحشيشة إذا ما أرادوا مقاومة رجال الأمن خلال عملية الإتلاف.
غير أن هذه القوانين لا تأخذ في الحسبان أن المواطنين في هذه المناطق قد حرموا من أبسط الحقوق الإنسانية، وهذا لا يعفيهم، من وجهة نظر الدولة، من واجب الامتثال لأوامرها التي لم يتلقفوا منها سوى الوعود البراقة على مدى سنين طويلة. واللافت أن قسماً كبيراً من المواطنين أبدى “الاستعداد للمواجهة مع القوى الأمنية ولتحدي أوامر الدولة دفاعاً عن الحقوق” كما حصل اول من أمس في منطقة جرود الهرمل حيث أطلق مزارعون النار على القوى الامنية اثناء إتلافها المزروعات الممنوعة. وثمّة من يبرر ردة الفعل هذه، لأن الحرمان من الحقوق يولّد العنف ويدفع الناس إلى ارتكاب الكثير من المخالفات وأعمال الشغب.
فأهالي البقاع الذين تضرروا من العدوان الإسرائيلي، يطلقون صرخات الاستغاثة ويصبّون جام غضبهم على أجهزة الدولة التي تعتزم القيام بعملية التلف لأنها تهددهم في أرزاقهم ومعيشتهم. ويقول احد هؤلاء العاملين في زراعة الحشيشة “بتنا مثل النمل، نخزن ونمون في الصيف لنأكل ونعيش في الشتاء”، حيث يغمر الثلج الحقول والطرقات، فلا يقوى الناس على العمل وبخاصة في الفترات التي تهبط فيها الحرارة إلى درجات متدنية جدّاً والتي يحتاجون فيها إلى شراء كميات كبيرة من المازوت من أجل التدفئة، علماً أن هذه المادة شهدت ارتفاعاً حادّاً في الأسعار وخصوصاً في الآونة الاخيرة.
وهذه السنة لم يقدم أهالي المنطقة على زراعة الحشيشة لاعتقادهم أن “دولة القانون والمؤسسات” ستعود لنشر سلطتها والقيام بعملية التلف. لذلك لم يزرعوا سوى ثلث الكمية التي يزرعونها عادة. هذا في الوقت الذي يعلن فيه العديد من المزارعين في منطقة البقاع عن استعدادهم لإتلاف مزروعاتهم إذا تكفلت الدولة بسد حاجاتهم الاساسية من المال، علماً أن تكاليف التلف توازي تكاليف مشروع الزراعات البديلةتجدر الإشارة إلى أن ثمة مشاعر كراهية يكنّها مزارعو الحشيشة لمزارعي الأفيون (الخشخاش) نظرًا لكون الأفيون مادة “مدمّرة” وتسبّب الإدمان الذي تنتج منه مشاكل اجتماعية خطيرة، بينما يقتصر ضرر حشيشة الكيف على الخطر نفسه الذي يسببه الكحول أو التبغ على الصحة العامة، إذ يقول عدد من المزارعين إن “الابيض (الافيون) ضرب الحشيشة غير المسببة للإدمان عبر تشويه صورتها بربطها بصورة الافيون أو الهيرويين المدمنة والمدمّرة”. غير أن عملية التلف هذه تستهدف الحشيشة حصوصاً لأن الخشخاش يحصد في نيسان وآذار، ولذلك يقتصر التلف الآن على الحشيشة فحسب.
وقد بدأ المزارعون في المناطق المنكوبة من البقاع يتأسفون ويترحمون على عهد الرئيس كميل شمعون والرئيس صبري بك حمادة وعهد السوريين في الوقت نفسه! ويقول هؤلاء: “السوريون لم يتدخلوا يوماً ولم يزيدوا من آلامنا ولم يتكبّروا علينا كما يفعل الامن اللبناني”. إن هذا التعاطف مع السوريين من جهة والرئيس شمعون من جهة اخرى لا يبدو منسجماً سياسياً لكنه منسجم اجتماعياً، فهم كانوا يسهّلون لهم طرق معيشتهم بفتح الطرقات وجرف الثلج أيام الشتاء القاسية، في الوقت الذي تتخلى فيه الدولة اليوم عن أقل الواجبات المترتبة عليها تجاه المواطنين وتتركهم فريسة للجوع والفقر والعوز.
ويضاف إلى أسباب المعاناة أن بعض المناطق المزروعة بالتفاح، قد ضربها الصقيع في الربيع المنصرم، فتجلّدت زهرات التفاح، الأمر الذي أدى إلى الإضرار بجزء من الموسم، ولم يسلم من هذا الضرر سوى التفاح المزروع في المرتفعات.
وتعاني هذه المناطق فقراً مدقعاً وانعداماً للخدمات المختلفة، فأنابيب الصرف الصحي في غاية السوء، ولا تكاد توجد مدارس تصلح لاستقبال الطلبة والمدرسين. ويُرجع بعض الأهالي سبب هذا الوضع المزري إلى حالة “التمدن” السريعة التي شهدتها هذه المناطق والتي جعلت الناس يرفضون نمط العيش التقليدي بالاعتماد على الزراعة.
ومن الطريف أن بعض أهالي تلك القرى يلجأون إلى التداوي بالحشيشة، وبخاصة أولئك الذين يعانون مرض السكري، وذلك ضمن إطار الطب الشعبي الرائج في تلك المناطق، الأمر الذي يعني أنهم سيفقدون بالتلف علاوة على موارد الرزق، مصدراً من مصادر العلاج المجاني.
يقوم افراد من العشائر اللبنانية بزراعة الجزء الأكبر من "الحشيشة" في سهل البقاع ولتلك العشائر خصوصيات ثقافية وتقاليد عريقة معروفة. فأبناء العشائر لا يهون عليهم الإذلال ولا يرضون بالتساهل مع الذلّ والفقر والتعتير. ويبدو أنهم مسلّحون بأكثر من سلاحهم الفردي وقادرون على مواجهة من يعدّونهم ظالمين بحقّهم لكنهم أعربوا عن استعدادهم لإتلاف المزروعات الممنوعة بأنفسهم. ومن المستحسن معالجة المشكلة عبر التفاوض والحوار والتجاوب مع الدولة المنصفة قبل الاحتكام الى السلاح.


“زهرة الهبو”
ثلاثة أصناف من الحشيشة: الأوّل يدعى “زهرة الهبو”، الثاني “الزهرة الشعبية” والثالث هو “الكبشة” وهي تخلط مع “الهبو” لتباع في الاسواق بأسعار مخفوضة