يبدو أن الأرض في بلاد بعلبك ــ الهرمل لا تنبت إلا «الحشيشة»، فكل المزروعات الأخرى لم تجد «باباً» للتصريف، أو أنها بالكاد كانت تعطي «خبزاً» يومياً للمزارعين الذين تركوا في «مهب» الريح مذ نال لبنان استقلالهشتورا - عفيف دياب

لم يجد المزارعون في البقاع الشمالي سوى نبتة «الحشيشة» التي تورق «أموالاً» تكفل عيشهم وحياتهم اليومية. فالبطاطا لا «تورق» سوى المزيد من الفقر والعوز، والقمح لا يعطي إلا المزيد من الديون، وكل أنواع الخضر والفواكه لا يحصدون منها سوى «سيف» البنوك والمصارف المصلت على رقابهم في كل موسم زراعي، أو بالأحرى في كل مواسمهم الزراعية التي تنبت «كساداً» ووجعاً.
زراعة «الحشيشة» كانت الزراعة الوحيدة التي لا ترهق المزارع بالديون. إنها زراعة سهلة. فهي بعلية تنبت بين الصخور، وليست بحاجة إلى مبيدات ولا إلى عناية خاصة. فيكفي المزارع أن يرش كيلوغراماً من القنبز المخصص لأكل العصافير على دونم واحد من الأرض لينبت حشيشة تعطي «مالاً» وفيراً. فمنطقة بعلبك، على سبيل المثال لا الحصر، كانت تنتج أكثر من 180 ألف قنطار من حشيشة الكيف في السنة، تفوق قيمتها المالية الـ 250 مليار ليرة لبنانية. أما منطقة الهرمل فكمية إنتاجها تصل إلى 60 ألف قنطار تبلغ قيمتها 85 مليار ليرة. فيما يذهب خبراء إلى القول إن زراعة الحشيشة والاتجار بها درّ على لبنان سنة 1989 حوالى أربعة مليارات دولار. وفضلاً عن ذلك فإن حشيشة جرود الهرمل البعلية تعدّ أجود أنواع الحشيشة في العالم، بسبب طبيعة المناخ البارد الذي تعيش فيه.
هذا المال الوفير، لم تجد الدولة اللبنانية بديلاً منه منذ أن أخذت تقمع هذه الزراعة. فدوار الشمس في أواسط السبعينيات أعطى إنتاجاً وهمياً، وبرنامج «التنمية الريفية الشاملة» الذي أطلقته الأمم المتحدة في بلاد بعلبك ـ الهرمل في 1993 أو «الزراعات البديلة»، مني بفشل كبير رغم أن أبناء المنطقة التزموا بقرار الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي بوقف ومنع زراعة الممنوعات. فقد كانت بعثة الأمم المتحدة التي زارت بعلبك ــ الهرمل عام 1992 قد أعلنت أن الأموال المطلوبة لبرنامج الزراعات البديلة هو300 مليون دولار، وفي 1994 دفعت فقط 4,25 ملايين، ووضعت خطة لمدة 12 عاماً (1994 ــ 2006)، ولكنها لم تنفذ.
ومنذ 2001 وبعد فشل كل الزراعات البديلة، عاد المزارعون في بعلبك والهرمل إلى زراعة «الحشيشة» و «الأفيون» (الخشخاش) الذي تراجع لمصلحة الزراعة الأولى، لأنه الأسهل والأقل تكلفة. ولكن السلطة اللبنانية كانت تنظم سنوياً عمليات إتلاف منظمة تستمر لأسابيع، وآخرها العملية الجارية حالياً في جرود بعلبك والهرمل منذ أيام والمتوقع لها نحو 3 أسابيع حتى «تتلف» أكثر من 30 ألف دونم من «حشيشة الكيف».
تزرع نبتة «الحشيشة» في شهر نيسان من كلّ عام وتقطف في شهر ايلول، او تحديداً في عيد الصليب (14 ايلول)، ويعطي كل دونم من الاراضي المزروعة بـ«الحشيشة» اكثر من 45 كليوغراماً من المواد الجاهزة للترويج.
انطلقت عملية «الإتلاف» السنوية هذا العام متأخرة عن موعدها. فالعدوان الإسرائيلي لم يترك مجالاً للقوى الأمنية للقيام بحملة الإتلاف التي تحولت إلى تقليد سنوي يعرفه جيداً المزارعون الذين حفظوها عن ظهر قلب. فالدولة اللبنانية تقوم بزيارة سنوية «وحيدة» لهؤلاء المزارعين في جرود الهرمل المنسية أو تلال وهضاب دير الأحمر وجرود بعلبك وغيرها من المناطق الشمالية في سهل البقاع. غير أن الجدير ذكره أن مصادر متابعة في البقاع تحدثت عن أن السوق المحلية «مغرقة» بالحشيش التركي بسبب ندرة الحشيش اللبناني.
ويقول متابعون هنا إن المساحة المزروعة حالياً بالحشيشة لا تزيد على بضعة دونومات، فيما القوى الأمنية تتحدث عن مساحة تتراوح ما بين 25 إلى 30 ألف دونم، وأن القوى الأمنية لم تلق مقاومة من المزارعين، سوى بعض الطلقات النارية التي سجلت في أعالي جرود الهرمل، وهي طلقات متفرقة لم تؤثر في عملية الإتلاف المستمرة على ستة محاور.
لكن مصادر اخرى في البقاع تحدّثت عن استخدام المزارعين قاذفات صواريخ في مواجهة مع القوى الامنية اللبنانية خلال عملية الإتلاف في منطقة الهرمل.