يختزن اللبناني صورتين لنوابهم، الأولى أنهم على انقسام حاد والثانية انهم «كاذبون»، وعلى رغم ذلك يعيد انتخابهم لتمثيله. النواب اليوم «متحالفون» لفك الحصار، ونزلوا معاً الى البرلمان، فهل يفلحون في نغيير الصورة ؟فداء عيتاني

الود متبادل بين النواب المجتمعين لفك الحصار على لبنان، إلا أن بعضهم لا يخفي كراهيته لآخرين، وشرط إظهار الكراهية أو الاحتقار عدم النشر، الاستخفاف بآخرين يأخذ مكاناً بارزاً بين النواب. لعبة الوزن والدور تدور بقوة في أروقة البرلمان، سواء كلامياً أو حتى بالممارسة الفعلية.
النواب لا يعرف بعضهم بعضاً. حينما تسأل مجموعة منهم «من هو ذاك النائب؟» مشيراً الى عجوز يغادر مبنى المجلس سعياً على قدميه نحو مكاتب النواب، يتردد ثلاثة نواب في الاجابة، ثم يعطون اسماء مختلفة،. «هذا فلان نائب عكار» يقول أحدهم، فيصحح آخر «لا. ليس هوداخل القاعة يسيطر جو ودّي، يدفعك كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الى التساؤل: «هل نجح مرة أخرى في تخفيف حدة الانقسام السياسي والتراشق السياسي المتبادل في البرلمان؟»، فتأتي الإجابات متعددة.
في المجلس أنشودات عن «المرحلة الوطنية والوحدة والتلاحم والتعايش والتضامن الشعبي والرسمي»، تشعر بأن الخلاف والصراع السياسي لا يفسدان لودّهم قضية: حديث ودي ضاحك بين نائب من حزب الله وآخر من الحزب التقدمي الاشتراكي، نواب من تيار المستقبل يتحدثون الى زملاء من كتلة الاصلاح والتغيير، آخرون من أشد المنتقدين لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة يدخلون في حفلة تصفيق على رغم مواقفهم المعلنة من أدائه الحكومي.
يتبادل النواب الكلام والنكات خلال الجلسات وخارج قبة البرلمان، يتناولون الطعام معاً في المقاهي المجاورة لمبنى البرلمان. في الغالب يلتف أفراد الكتلة الواحدة حول مقاعد طاولة الطعام، إلا أن الأمر لا يخلو من «اقتحام» نائب أو أكثر من كتلة نيابية طاولة كتلة أخرى، تبادل الخبز والملح لا يلغي الخصومات. أحد نواب كتلة الاصلاح والتغيير يقول في حديث جانبي: «حينما يخرجون من المجلس يعود كل منهم الى موقعه». إذاً، لا آمال كبيرة يمكن ان يولدها النوم معاً تحت سقف مؤسسة تمثيل الأمة.
يتحرك النواب باسترخاء في أروقة البرلمان، ينظرون احياناً من مقاعدهم نحو المقاعد التي يشغلها الصحافيون في الدور الاعلى، يتبادلون تحيات مع صحافيين مواظبين منتدبين من مؤسساتهم الى المجلس. يتحدثون بود مع الاعلاميين، غير أن «الكلام ليس للنشر رجاء». ثمة خيط آخر من الاعتياد المتبادل يربط الطرفين، اضافة الى اشياء اخرى، فتخرج الصورة الاعلامية عن كل النشاطات النيابية نمطية، هذا ما يحصل عليه الناخب اللبناني بالنتيجة: تختفي صورة الود المتبادل، وتظهر مكانها كادرات صحافية عن النكات المتبادلة وعن كلام مرتفع النبرة سياسياً، والويل لمن يخرق هذه القاعدة في العلاقة، اذ ان الغضب سينصبّ عليه، ليس من النواب بل من الصحافيين أولاً.
يتنافس النواب في الكلام. يتنافسون بالمعنى الحرفي للكلمة. يتحدثون عن مواضيع لم يتطرق إليها غيرهم من زملائهم، حتى لو أدى ذلك الى الخروج عن مسار الجلسة الاعتصامية، يحول الكلام النيابي الجلسة الى ما يشبه جلسة عامة لمناقشة الحكومة او الاشادة بانجازاتها، يقف وزراء ليدافعوا عن انفسهم، يخرج بعض النواب ليقولوا جانباً «أين الحصار؟ لماذا التوسع في النقاش الى هذه الأمور؟». إلا أن هذا الكلام يتخذ من المقاهي ومن الشارع المؤدي الى مكاتب النواب مكاناً له، فيما تفتقد قاعة البرلمان هذا التصويب للمسار النقاشي.
صباح اليوم التالي للاعتصام يشبه صباح اليوم الاول، النوم مع «الأعدقاء» لم يبدل في مجريات الامور شيئاً، البرلمان هو البرلمان، النواب هم النواب، النقاش هو نفسه، قبيل مغادرته مبنى البرلمان يقول نائب معلّقاً على ما يحصل: «فولوكلور» ثم يتوجه نحو مطعم مجاور، بينما تنقل وسائل الاعلام أجواء التضامن الوطني التي تجلّت في الاعتصام. نواب الامة ليسوا كاذبين، هم يعبّرون في كل كلامهم عن جو يطالبه به شارعه، وهم لا ينقسمون نتيجة قرارات ومواقف شخصية، ولا يبرز الانقسام على المستوى الشخصي بينهم، هم ينقسمون لأسباب أخرى، وفي كل الاحوال يظلم الشارع نوابه، وينام الاخصام معاً في انتظار كسر حصار لا يراه أحد النواب ممكناً في هذه الأجواء.