غسّان سعود
غيّرت الحرب سلوك عمال محطات الوقود وتصرفاتهم. وجعلتهم أشبه بموظفي البنوك أو الدوائر الرسمية. فباتوا يتحركون ببرودة أمام السيارات ويترددون في التحرك عن كراسيهم، أو يغضون النظر عن توقف مجموعة سيارات مقابل محطاتهم. ولا يتورّعون عن توبيخ المواطنين إذا طلبوا ملء السيارات بأكثر من المبلغ المحدد.
الجدير بالذكر أن عمّال المحطات كانوا حتى الأيام الأولى للعدوان من أبرز ضحايا تسلّط لبنانيّين كثيرين و«تشاوفهم». ومعظم العمّال يتقاضون أجراً لا يتخطّى مئتين وخمسين دولاراً، ولا يُسجّلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فيعمد أصحاب المحطات إلى تغيير الموظفين كل ثلاثة أشهر للتهرب من رقابة الدولة عبر القول إنهم للتجربة فقط، كما أوضح أحد موظفي وزارة المالية.
وغالباً ما عمد لبنانيّون كثيرون إلى إذلال عمال المحطات، وإن بطريقة غير مباشرة. عبر فتح نافذة السيارة ببطء ومد اليد بمبلغ من النقود من دون تعليق أو تحديد للمبلغ المنوي ملء السيارة به. ونادراً ما لقي العامل ردّاً على سؤاله عن اختيار المواطن بين بنزين 95 أوكتان أو 98 أوكتانيؤكّد حسن، أحد العاملين في محطة للوقود، أنه طوال ثلاثة أشهر من العمل في المحطة لم يسمع إلا مرتين شكر الزبائن الذين غالباً ما كانوا يطلبون منه ملء الخزان وتنظيف زجاج السيارة كأنه خادم يتقاضى أجره منهم. وأشار وائل، عامل آخر، إلى أن لحظة التغيير وانتقال السلطة حدثت عندما بدأ العدوان، فرجاه صاحب المحطة أن يبقى، مؤكداً له أن أجره سيتضاعف. وكان عدد كبير من محطات الوقود قد واجه مشاكل جرّاء هجرة العمال. فلجأ إلى توظيف عمال لبنانيين. وأدّى النازحون دوراً إيجابياً في ملء الفراغ، علماً أن بعض العمال نجح في تقاضي خمسمئة دولار شهرياً خلال مرحلة الحرب، رغم أن دوام العمل خفض من اثنتي عشرة ساعة إلى أقل من ثماني ساعات.
وأفاد ثلاثة عمال في منطقة الدورة بأنهم فرضوا على مديرهم خلال الحرب توقيع «عقد عمل» يمنعه من التخلي عنهم لثلاثة سنين. وأشار أحد العمال اللبنانيين في منطقة جل الديب إلى أنه الشهر الأفضل في حياته، إذ يمعن في الانتقام الأخلاقي من «أصحاب السيجار» و«صاحبات النظارات الشمسية».