فداء عيتاني
يوزّع شاب ملتح منشورات في منطقة الكولا في بيروت. لا يلبث طويلاً في مكانه. يستوقفه أحد السكان يسأله عن حزبه، فيجيب الشاب الملتحي باقتضاب قبل أن يغادر مكانه الى شارع آخر ليواصل توزيع المنشورات الممهورة بتوقيع «حزب التحرير الإسلامي ــــ ولاية لبنان”.
لم يعد الحزب يعمل خارج رقابة القانون، إذ إنّه أصبح شرعياً بعد تقديم طلب علم وخبر الى وزارة الداخلية، وانتظار دام تسعة أشهر، ورغم ذلك فإن الشاب الذي كان يوزع المنشورات لا يزال تحت هاجس «اضطهاد مارسته الأجهزة الأمنية زمن الوصاية السورية» كما يصفها الحزب نفسه.
مسار الحزب طويل بين السر والعلن وإن كان الناطق الإعلامي باسمه أيمن القادري يرفض مقولة «السرية»، الحزب كان دائماً علنياً وليس الترخيص ما يحدد علنيته بل النشاط غير السري الذي يقيمه.
هذا الحزب قدم أول طلب علم وخبر الى الدولة اللبنانية عام 1959. وفي عام 1962 أعلن مجلس الوزراء اللبناني حلّ الحزب في الجلسة نفسها التي حل فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي، علماً أنه لم يقدم أي تبريرات لحل حزب التحرير الإسلامي.
«كل الناشطين في الحزب مروا على الأجهزة الأمنية الرسمية” في إطار الاعتقالات، هذا الحزب الذي يرفض ناطقه الإعلامي تحديد حجمه العددي، يصنف نفسه بأهل الدعوة، وهم من يطالب بإقامة الخلافة الإسلامية على أراضي المسلمين، ويرى سقوط الخلافة (حتى بصورتها العثمانية) نكبة حلت بالمسلمين. وهو يعمل على حض أهل القوة «الشخصيات المتميزة في الدولة وفي الجيش، الذين يمكنهم إيصال عملية التغيير الى أهدافها» بإعادة الخلافة التي يمتلك حزب التحرير دستوراً لها، ولا يمانع الحزب من حصول هذا التحول وتسلمه السلطة عبر انقلاب يقوم به ضباط من أهل القوة وفق مبدأ “النصرة”، ولا يعود مستغرباً بعد ذلك تعرض بعض أفراد الحزب الى التنكيل من قبل أجهزة أمنية معينة ربما لم تفهم الفرق بين الدعوة وبين الشروع في الانقلاب، علماً أن الحزب نفسه لا يقر مبدأ العنف للوصول الى السلطة، بل تكاد تلمس أن الحزب لا يقر العنف على الإطلاق، وهو ما يدفع بحركات أصولية أخرى الى اتهامه بأنه من “القاعدين” و“المرجئة”.
ولا يعترف الحزب الذي يمتد الى أقاصي الأرض، وينتشر عميقاً في الغرب الأوروبي والأميركي، برجال الدين أو أزيائهم التي تختلف عن أزياء العامة. الناطق الإعلامي الذي حاز دكتوراه في الأدب العربي يؤكد أن “علماء الدين في الماضي لم يتميزوا بلباسهم عن الآخرين من العامة، وأساساً نحن نرفض مصطلح رجال الدين، ونرفض حصر حق الكلام في الدين في رجال معينين، ثياب رجال الدين جاءت متأخرة لتقليد ما هو قائم في الغرب (لناحية لباس الكهنوت). نحن لا نتميز في لباسنا، بل نتميز في تفكيرنا».
يؤيد الحزب قتال حزب الله في لبنان ضد إسرائيل، وكذلك المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان، ويدعو الى اعتراف كل المجاهدين بعضهم ببعض باعتبارهم يقاتلون على جبهات متعددة ضد أعداء الأمة. لكنه في المقابل يلوم حزب الله لتخليه عن مشروع إقامة جمهورية إسلامية في لبنان، ويرى أن «إيران وسوريا خذلتا حزب الله، إيران قدمت الحزب لتسوية وضعها النووي وسوريا من أجل تحريك عجلة المفاوضات مع إسرائيل».
يدين الحزب بقيادته الى أميره عطا أبو الرشتا، وهو فلسطيني من الأردن، يقود الحزب في كل العالم، ويعاونه خمسة أشخاص من جنسيات مختلفة، ويقسّم الحزب العالم وخصوصاً الدول الإسلامية الى ولايات، كونها حالياً مقسّمة (إدارياً) الى دول، إلاّ أنه لا يعترف بكيانية هذه الدول النهائية، بل هي حدود مصطنعة قابلة للتغيير حين قيام دولة الخلافة. وينتشر الحزب في بقاع عدة من لبنان، تبرز بينها طرابلس وبيروت وصيدا وقرى البقاع.
ويأسف القادري لانخفاض الانتشار الحزبي في المناطق الشيعية، «في الخمسينيّات وما تلاها كانت القاعدة الشعبية للحزب بغالبيتها شيعية، اليوم أحدثت ثورة الخميني تكتلاً لدى كثير من الشيعة ضمن المشروع الإيراني، والذي نعتبره مذهبياً، واستقطبتهم مخرجة إياهم من الإطار الإسلامي الوحدوي».
إلاّ أن هذه الرؤية لا تمنع الحزب من اللقاء بشكل متواصل مع أركان حزب الله، وخصوصاً مع الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي التقوه قبيل بدء الحرب الأخيرة، إضافة إلى لقائهم المرجع السيد محمد حسين فضل الله وغيرهما.