برلين ــــ غسان أبو حمد
في الشكل، يبدو تأخير القرار المتعلق بانتشار القوات البحرية الألمانية على الشواطىء اللبنانية، مسألة "بروتوكولية" وإجراءً رسمياً إدارياً عادياً، يصل في أقصاه المطلوب، إلى إقدام الحكومة اللبنانية على رفع طلب إلى الأمم المتحدة، يتضمن إبداء الرغبة في وجود القوات الألمانية على الشاطىء اللبناني في إطار القوات الدولية التي ينص عليها القرار الدولي 1701 .
هذا على الأقل، ما ذكرته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتبرير تأخير رفع المراسي وانطلاق البوارج الحربية باتجاه لبنان، كما كان مقرراً في مطلع هذا الأسبوعأما في المضمون، فيطال تأخير القرار الألماني، وتأجيل الاجتماع الحكومي حوله الذي كان مقرراً أمس الاثنين، أموراً جوهرية، تعود في عمقها إلى متاعب وحساسية داخلية من الوضعين، اللبناني والألماني على السواء. تمتنع الحكومة اللبنانية عن الدخول في شرح "تفاصيل" تتعلق بحدود مهمة القوات الدولية أو عن الردّ على أسئلة ألمانية حسّاسة تطلبها القيادة العسكرية الألمانية لتوضيح إطار عملها. ومن هذه الأسئلة، "هل يحق للقوات الألمانية تفتيش زورق بحري مشبوه، إذا رفض قبطان الزورق؟.. هل تجوز مصادرة الأسلحة غير الظاهرة في عنابر الزورق؟".
وإذا كان الجانب اللبناني، وبسبب الحفاظ على "وحدة الحكم" تحت شعارات عريضة، لا يرغب في الدخول في التفاصيل، فإن الجانب الألماني، وبسبب "الوحدة الداخلية حيال حساسية المهمة" (فوكوس أونلاين)، يصرّ على الوضوح، ويدفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الردّ على أسئلة الصحافيين بجملة واحدة: "الحذر أفضل من التسرّع".
وتذهب بعض الصحف الألمانية، (برلينر تسايتونغ) في مقاربتها للحذر الألماني من جهة والتسرع الفرنسي ــــ الإيطالي من جهة ثانية، إلى التحليل النفسي والفارق بين "الشخصية الألمانية البروسية" القائمة على التنظيم والوضوح، و"الشخصية المتوسطية" القائمة على المزاج وتدبّر الأمور بحسب الظروف.
وكانت الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بحسب التوقيت الدولي المعتمد، كما حدد ووعد وزير الخارجية الألماني شتاينماير بأن مطلع الأسبوع الحالي هو موعد توضيح المهمة العسكرية الألمانية، عديداً وعدة، كما كانت المستشارة من ناحيتها تتفقد الأسطول الألماني وتشهد مناورة عسكرية بحرية، فما الذي حدث ظهيرة أمس الأول الأحد، ودفع المستشارة إلى تأجيل عقد الاجتماع الحكومي والتصريح بأن الأولوية هي لحماية الجنود الألمان؟
رسمياً، برّر الناطق الرسمي باسم الحكومة الألمانية أولريش فيلهلم، تأجيل اجتماع الحكومة الألمانية وبالتالي تأجيل قرار الموافقة على إرسال الجنود الألمان إلى الشرق الأوسط، بالقول إن الحكومة اللبنانية المشغولة بأمور داخلية تأخرت بالإجابة عن أسئلة الحكومة الألمانية، لذلك كان تأجيل الاجتماع الحكومي وبالتالي تأجيل القرار الألماني.
واقع الأمر، أن السبب الرئيسي الأول، هو تصدع الوضع السياسي الداخلي والخوف من مواجهة محتملة بين الجيش الألماني والجيش الإسرائيلي، هذا الأمر طرحته بعض الأحزاب الألمانية ومنها الحزب الليبرالي الديموقراطي، الذي رفض الموافقة على إرسال الجنود الألمان إلى الشرق الأوسط ، أما السبب الرئيسي الثاني فيتعلق بتصريحات أطلقها المسؤولون الأمنيون تحذّر من الدخول طوعاً إلى حقل "الأصوليين" ودفعهم إلى تصنيف ألمانيا في خانة "العدو الغربي" وبالتالي "استيراد العمليات الإرهابية" إلى داخل المجتمع الألماني.
في موازاة الضياع الحكومي الرسمي تأتي البلبلة الأمنية وتحذيرات وزراء داخلية بعض المقاطعات الألمانية من دخول ألمانيا "طوعاً" إلى حقل ألغام "الأصوليين" في الشرق الأوسط، مما يضع البلاد في فوهة بركان الأعمال الإرهابية.
في هذا السياق، حذّر وزير داخلية مقاطعة بافاريا غونتر بكشتاين من تعريض ألمانيا لمخاطر الأعمال الإرهابية بسبب مشاركتها في عديد قوات الطوارىء التابعة للأمم المتحدة في لبنان.