نقولا ناصيف
تقارب الديبلوماسية اللبنانية الضغوط الإسرائيلية في استمرار الحصار البري والجوي والبحري منذ 14 آب الفائت، على أنه محاولة ترمي الى إمرار تنفيذ القرار 1559 من خلال القرار 1701. وتعتقد، في حصيلة الإتصالات والإجتماعات والتقارير الديبلوماسية التي تصلها من مصادر شتى، أن لا مؤشرات واضحة الى إمكان فكه قبل 10 أيام على الأقل. ولا تتردّد بربطه، تارة بالتقرير الثالث لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز، وطوراً بالتقرير الثاني للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عن القرار 1701. والتقريران يتزامنان في الصدور في موعد واحد تقريباً هو منتصف هذا الشهر، ويتوجهان الى سوريا في جانب رئيسي مما يُنتظر أن يلحظاه عن دورها، خصوصاً وأن فريقاً في الغالبية الحاكمة يأمل في ان تصدر عن التقريرين اتهامات مباشرة الى سوريا تتصل بعرقلة تنفيذ قرار مجلس الأمن عبر استمرار دعمها «حزب الله»، وبدور ما في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وفي أبسط الأحوال تبدو اللوحة للديبلوماسية اللبنانية غامضة ومشوبة بالقلق والحذر نظراً الى الترابط الذي أحدثه القرار 1701 في الوضع الداخلي اللبناني بكل من سوريا وإسرائيل وإيران، وليس بسلاح «حزب الله» فحسب.
وتعبّر عن مقاربتها هذه من خلال ملاحظات أبرزها:
1 ــــــ أن ما تريده إسرائيل من الحصار يرتبط بإنهاء سلاح «حزب الله» بمقدار ارتباطه بممارسة ضغوط موجعة على لبنان لإرغامه على تحريك ملف الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى الحزب منذ 12 تموز المنصرم. وهي، إذا تعرف أن الموضوع في عهدة «حزب الله» حصراً ــــــ وأمينه العام السيد حسن نصرالله تحديداً على غرار ما كان عليه دائماً ملف الأسرى الإسرائيليين ــــــ تتوخى في الوقت نفسه أن تجعل من هذا الموضوع مطلب الحكومة اللبنانية بغية دفعها الى وضع اليد عليه، أو على الأقل تحريكه بمعزل عن صفقة تبادل الأسرى الإسرائيليين واللبنانيين التي يصر عليها «حزب الله» وكانت قد تبنتها الحكومة اللبنانية سابقاً بدءاً من خطة البنود السبعة.
ومع أن القرار 1701 ميّز بين تسليم الجنديين الإسرائيليين وبين إطلاق المعتقلين اللبنانيين الثلاثة في السجون الإسرائيلية، إلا أن الحزب يجدهما متلازمين، ولا يستعجل حلاً لا يلحظ تبادلاً كاملاً.
2 ــــ على وفرة الجهود التي بذلتها ولا تزال الديبلوماسية اللبنانية حيال وقف الحصار ، وخصوصاً تعميمها على البعثات اللبنانية في الخارج الضغط على الحكومات المعتمدة لديها بالطلب الى هذه البعثات «تنظيم» تظاهرات واعتصامات وحركات احتجاج وحملات إعلامية للرعايا اللبنانيين وتحديداً في العواصم الكبرى، تلمس أن المشكلة باتت تتخطى مجرد انتهاك القرار 1701، الى ما تعتبره الديبلوماسية اللبنانية محاولة «تدويل» الحدود اللبنانية البرية والبحرية على السواء. والمقصود بذلك المنافذ المفتوحة على سوريا، بعدما أوصد قرار مجلس الأمن منافذ الإشتباكات العسكرية مع إسرائيل عند «الخط الأزرق» وفي مزارع شبعا.
ويقع في هذا الإطار موقف الحكومة الألمانية بربطه نشر قوات ألمانية تُقدّر بـ3000 عسكري قبالة الشاطىء اللبناني بموافقة مجلس الوزراء اللبناني. الأمر الذي يفتح باب تدويل سائر الحدود اللبنانية الواقعة خارج «الخط الأزرق». ويعيد ذلك الى الواجهة، ضمناً على الأقل، بعث الإنتقادات الدولية وشكوك عرابي القرار 1701 في قدرة السلطة اللبنانية على مراقبة حدودها البرية والبحرية التي تشكّل منافذ على سوريا، وعلى احتمال تهريب أسلحة الى «حزب الله» عبرها بالذات. وكان بدا للسلطة اللبنانية في وقت سابق أنها أقنعت المجتمع الدولي بجدية الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني عند الحدود البرية (بنشر 8500 عسكري)، وعند المخافر البحرية (1000 عسكري)، الى إجراءات أخرى متشددة عند المعابر الشرعية في المصنع والمطار والمرافىء.
3 ـــــ مع أن أفرقاء بارزين في الحكم وجدوا في التشديد الدولي على مراقبة الحدود البحرية تلميحاً غير مباشر الى إعادة إثارة مخاوف من تهريب أسلحة عبر الحدود البرية مع سوريا، إلا أن العقدة في طربوش القرار 1701 تقع في مكان آخر، هو القرار 1559. وفي واقع الحال، كما تلمس الديبلوماسية اللبنانية، فإن المشكلة التي يطرحها القرار 1701 هي نفسها التي كان قد طرحها قبل سنتين ولا يزال القرار 1559، أي سلاح «حزب الله» والإصرار على تجريده منه. الأمر الذي مكّن إسرائيل، عبر الحصار، من الإجتهاد في تطبيق القرار 1701:
بانتهاكها، أولاً، الفقرة السادسة من القرار نفسه، إذ تتحدث عن خطوات فورية لمساعدة الشعب اللبناني وتسهيل العودة الآمنة للمشرّدين وإعادة فتح المطارات والموانىء تحت سلطة حكومة لبنان.
وفي سياق الشكوى الى مجلس الأمن التي كانت أعدتها الخارجية اللبنانية صباح أمس قبل أن يكشف الرئيس نبيه بري النقاب عنها ظهراً، وتحال مساء على مجلس الوزراء، أن الحصار لا يكتفي بانتهاك القرار 1701، بل أيضاً يخرق القانون الدولي. وتطلب ــــــ دون آمال كبيرة سوى تسجيل موقف معنوي لا أكثر ولا أقل ـــــ الى الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن بذل مزيد من الجهود لثني إسرائيل عن فرض هذا الحصار.
وبتوسّعها، ثانياً، في هذا الإجتهاد بما لا يحمله القرار نفسه التي يترك لإسرائيل ربط انسحاب جيشها من الأراضي اللبنانية بوصول الجنود الدوليين، على أن يتولى هؤلاء نقل السيادة الوطنية على الأراضي التي احتلتها الدولة العبرية الى الجيش اللبناني. لكن الأمر لا ينطبق على الحصار الذي لا يكتفي بعزل لبنان، وإنما يجعله أشبه بدولة في «حجر» مشابه لما كان نعت به هذا البلد عام 1983 وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز، وهو يغطي انسحاب وحدات المشاة البحرية الأميركية منه، عندما قال إنه أشبه بـ«طاعون».
وبتأكيدها، ثالثاً، أن المشكلة تكمن في ترسانة سلاح «حزب الله». وهي إشارة صريحة من الدولة العبرية الى عدم اقتناعها بالطريقة التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية مع الحزب في إعلان التزامهما تنفيذ القرار 1701، عبر معادلة نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني دونما تجريد الحزب من سلاحه في هذه المنطقة أو خارجها. ومع أن القرار 1701 لا ينصّ على نزع سلاح الحزب، إلا أن احتفاظ الأخير بترسانته ـــــ ولا يزال المتبقي منها بالنسبة الى إسرائيل كما الى المجتمع الدولي ولبنان الرسمي نفسه غامضاً ومثيراً للقلق ـــــ يعكس استمرار رفضه تنفيذ القرار 1559.
فكيف إذا قالت إسرائيل ولا تزال أنها خاضت حرب 12 تموز من أجل تنفيذ القرار 1559، وأنها أيّدت القرار 1701 لأنه يجعل من القرار الأب أكثر من سيف مصلت؟