strong>صارت الانفجارات وتناثر الأشلاء والدماء والموت جزءاً من يوميات الوطن ومتابعات أهله. ومواطن تلو الآخر يُستهدف بأساليب مختلفة، حتى غدا الوطن مساحة يسكنها الشهداء الأحياء. أمس، كان المقدم سمير شحادة على موعد مع التجربة الفريدة.

قبل أن يخرج اللبنانيون من الحصار الإسرائيلي ويُخرجوا الشهداء من تحت أنقاض المدن والبلدات المهدمة، وبينما كان يتضح للجنوبيين حجم الأخطار المحدقة بهم من جراء مئات آلاف الألغام المضادة للأفراد التي خلفها الإسرائيليون وراءهم خلال العدوان الأخير. عادت العبوات الناسفة، عند العاشرة والدقيقة العاشرة من صباح أمس، لتبث الذعر، من خلال استهداف موكب المقدم سمير شحادة، نائب رئيس فرع المعلومات في مديرية قوى الأمن الداخلي. والمكان هذه المرة، محلة الرميلة قرب جسر علمان، على بُعد بضع دقائق من صيدا التي شهدت آخر عمليات التفجير في 26 أيار الماضي إثر اغتيال محمد المجذوب، المسؤول السياسي لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين وشقيقه.
شحادة الذي اعتاد التنقل في «الباثفايندر» السوداء، قرر أمس، فجأة، الانتقال في «البايثفاندر» البيضاء من منزله إلى مكان عمله. فنجا من الموت بعدما خابت توقعات معدّي «الكمين»، إذ استهدفت عبوة موجهة مباشرة سيارة الجيب السوداء التي اعتاد شحادة قيادتها، فقُتل كل من كان فيها. وسرعان ما تبيّن أن ثمة عبوتين كانتا فوق ربوة صغيرة قرب بستان موز، وجهتا بشكل دقيق نحو السيارة، وفُجرتا لاسلكياً في لحظة واحدة عند مرور الموكب. فأصيب سقف السيارة الأولى التي كان يستقلها المقدم شحادة. وهي من نوع نيسان «باثفايندر» بيضاء تحمل الرقم 611134 ــ قوى الأمن الداخلي وجانبها الأيمن وخلفيتها. لكنها أكملت سيرها، ثم توقفت على بعد 150 متراً من موقع الانفجار. فيما أصيبت مباشرة السيارة الثانية السوداء، وهي أيضاً من نوع «باثفايندر» ولا تحمل لوحات. فدفعت حتى ارتطمت بجدار الطريق واستشهد على الفور المؤهل أول وسام حرب والرقيب شهاب حسن عون اللذان كانا فيها. وأعلنت القوى الأمنية لاحقاً استشهاد الرقيب أول نمر ياسين والرقيب أول عمر الحاج شحادة متأثرين بإصابتهما. وبدا لافتاً التكتم الشديد على مكان نقل المقدم شحادة قبل أن يتبيّن وجوده في مستشفى حمود، حيث اتخذت تدابير أمنية مشددة، وسط امتناع الجهاز الطبي في المستشفى عن الإدلاء بأية معلومات عن الوضع الصحي للمقدم شحادة. وروى شاهد عيان لـ «لأخبار» أن المقدم شحادة ترجل من السيارة مصاباً، وإصابته لم تبدُ خطرة، رغم أن الدماء كانت تسيل من أماكن مختلفة من جسده، وكذلك حال السائق. فيما بدت إصابة المرافق الذي كان يجلس على المقعد الخلفي بالغة. وتبيّن أن العبوتين كانتا محشوتين بكمية كبيرة من كرات حديدية صغيرة اخترقت سقف السيارتين وجانبهما.
وعلمت «الأخبار» أن القضاء العسكري باشر التحقيق في الحادث. وقصد مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي أحمد عويدات وقاضي التحقيق العسكري جورج رزق مكان الانفجار، وعاينا الموقع عن كثب واستمعا إلى إفادة بضعة شهود، قبل أن ينتقلا إلى مستشفى غسان حمود في صيدا ويستمعا إلى إفادة المقدم شحادة والجرحى الآخرين. كذلك عاد المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي يرافقه رئيس شعبة المعلومات المقدم وسام الحسن، الجرحى في مستشفيات صيدا. ثم انتقل ريفي الى مكان الانفجار لمعاينته والاطلاع على التحقيقات الجارية. وتحدثت بعض المصادر عن اعتقال بائعين متجولين كانوا في محيط ساحة الانفجار.
ولاحظ بعض الخبراء أن حادث أمس يشبه نسبياً الانفجار الذي أودى بحياة النائب جبران تويني من حيث توجيه العبوة واختيار منطقة غير سكنية. إلا أن حجم العبوة التي استهدفت تويني كان أكبر، لعلم الجناة ربما أنه يستقل سيارة مصفحة، إضافة إلى أن المتفجرة كانت داخل سيارة مركونة على يمين الطريق.
وفي سياق الاحتمالات والتكهنات التي ترافق هذه الحوادث، لم يستبعد بعض المحققين في أحاديث جانبية مع «الأخبار» أن يكون الحادث تتمة لعمليات الاغتيال والتفجيرات التي بدأت مع الوزير مروان حمادة، دون أن تعلق على احتمال أن تكون محاولة الاغتيال الأخيرة مرتبطة بكون شحادة الرجل الثاني في فرع المعلومات الذي يتابع التحقيقات في ملف اغتيال الرئيس الحريري، أو بكونه قاد عملية توقيف القادة الأمنيين الأربعة، إضافة إلى استجوابه أكثر من مرة الشاهد السوري هسام هسام، وعدداً من المجموعات الأصولية المتهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة. وأكدت المصادر أن الربط بين الأحداث لا يمكن الوصول إليه قبل الإمساك برأس الخيط الذي يقود المحققين إلى دليل ثابت وقاطع. أما الكوميديا السوداء، أمس، فتمثلت في ادعاء مفوّض الحكومة المعاون أحمد عويدات، مرة جديدة، على «مجهول» وكل من يظهره التحقيق بجرم القيام بأعمال إرهابية.
وبعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن المركزي، أكد وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت أن المقدم شحادة سبق أن تلقى تهديدات عدة، وألقيت قنبلة صوتية قبل أشهر قليلة على منزله دون ان يعلن عنها في حينه. وأكد فتفت أن المقدم شحادة أشرف خلال سنة ونصف على ملفات عدة خطيرة أمنياً وحقق فيها نجاحات باهرة. وأشار إلى أن فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي تعرض في الأشهر الأخيرة لحملة «استهداف سياسي» من «أطراف داخليين وخارجيين» وقال إنه «لا يجوز مطلقاً استهداف القوى الامنية (...) ولا مصلحة لأحد في إرباك الأجهزة الأمنية». ولم ينس فتفت في نهاية مؤتمره، بعد كل ما قاله، من تأكيد أنه لا يريد توجيه الاتهام لأحد، الاتهام يوجهه القضاء.
(الأخبار)