غسّان سعود
غالباً ما تجاهل اللبنانيون المثل القديم «عا قدّ بساطك مدّ جريك». لكن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي لحقت باللبنانيين بسبب العدوان الأخير، جعلتهم أكثر احتراماً لوصية أجدادهم، وخصوصاً أن بعضهم فقدَ البساط نفسه.
الضائقة لم تعد تنحصر بالنازحين، بل توسعت لتشمل المزارعين والتجار والصناعيين بعد أن تأكد تصميم الدولة على المضي في «استراتيجية التأجيل». ويبدو اليوم أن الاستقرار السلبي للسوق مستمر، وخصوصاً في قطاع المفروشات، وذلك خلافاً لكل التوقعات. والسؤال الذي يفرضه مشهد الركود في أسواق المفروشات هو أين وكيف يعيش من هُدمت منازلهم أو دمرت جزئياً؟
خلال جولة في الأوزاعي، بدا واقع التجار مأسوياً. ويجمع التجار على تراجع الطلب على المفروشات، ويكشفون أن بعضهم أخفى مخزونه أملاً بتسريبه لاحقاً بأسعار أكثر ارتفاعاً. ويؤكدون استحالة "صمودهم في مصالحهم" في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأولية من جهة، وانخفاض القدرة الشرائية عند الموظفين من جهة أخرى. إضافة إلى عدم دعم الصناعيين والتجار من قبل الدولة.
وتتداخل مواقف الباعة، فيثنون على كلام صاحب «غاليري العجوز» بأنّ معظم المتضررين جراء العدوان لم يبادروا إلى شراء أثاث في انتظار استقرارهم. ويوافقون صاحب «غاليري ميلاني» على أن الناس قلقون من شراء فرش جديد قبل اتّضاح المشهد السياسي والحربي، و«أن معظم الذين قصدوا السوق كانوا يبحثون عن سرير رخيص وخزانة». وأشاروا إلى أن الاستيراد عبر اللاذقية يزيد الكلفة قرابة 20 في المئة.
ولا يُمكن التقاط المشهد في الأوزاعي من دون تسجيل السؤال الذي يردده معظم التجار قبل شرب القهوة وبعدها، عن دور وزارة الصناعة ومهماتها بعد أن انحصر حضور الوزير بالمنابر السياسية.
ولا تنتهي المأساة عند عائلات أصحاب العمل. إذ إنّها تطول لتشمل العمال أيضاً. فيتضح أن أصحاب معارض المفروشات والمصانع، اضطروا إلى التخلي عن قرابة 80 في المئة من موظفيهم.
يذكر أن "نقابة أصحاب معامل المفروشات الخشبية في لبنان" تعد ملفاً خاصاً بوزارة الصناعة، يعرض "تقاعس المعنيين بها عن حماية المصانع وتأمين استمراريتها خلال العدوان وبعده"، وخصوصاً بعد إقفال معامل عدة لفروعها في لبنان واتجاهها نحو الخليج.
وتوقعت مصادر في النقابة أن يرتفع الطلب فجأة خلال الشهرين المقبلين، علماً أن القدرة الإنتاجية للسوق اللبنانية لن تتمكن من سد حاجة الوحدات السكنية التي سيُعاد إعمارها. وقال رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود لـ«الأخبار» إن طلب التعويضات للصناعيين يجب أن يكون واقعياً، وخصوصاً أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة تفوق عشرة مليارات. ولفت عبود إلى وعد وزير الصناعة بيار الجميل بتعويض الخسائر المباشرة. لكن الخسائر غير المباشرة قد تكون أضعاف الخسائر المباشرة. علماً أنه تُسجل كل يوم خسارة 30 مليون دولار. وأكد أن الصناعيين يقدمون تضحيات كبيرة منذ بدء العدوان، والدليل أن الإسمنت اللبناني يعدّ الأرخص اليوم في العالم. ورفض بشكل حازم استيراد أو قبول مساعدات تضم مفروشات أو بيوتاً جاهزة، داعياً المعنيين إلى قبول مواد أولية يمكن تصنيعها، الأمر الذي ينعش السوق ويزيد حجم الاستفادة.
يلفت الصناعيون إلى عدم قيام الأجهزة الرسمية للدولة اللبنانية، وخصوصاً هيئة الإغاثة، بواجباتها خلال الأيام الأولى للعدوان من حيث تأمين الفرش للنازحين، التي كان يُفترض أن تُخزن مسبّقاً بكميات كبيرة للحالات الطارئة. وأثناء الحرب لم تبادر الحكومة أو هيئة الإغاثة إلى محاولة تأمين المازوت والمواد الأولية إلى مصانع الفرش وغيرها، التي قدمت جهداً استثنائياً لتأمين حاجة السوق. وما زالت المؤسسات الكبيرة مثل «سليب كومفورت» و «مدينة المفروشات» و«هوم ديزاين» تعاني الانكماش الاقتصادي وتراجع الطلب، إضافة إلى صعوبات جمة في تأمين المواد الأولية للمصانع. وتبدو الحركة في هذه المؤسسات شبه متوقفة، وكأن الحرب ما زالت في أوجها.