حاكت الحرب الإسرائيلية نسيجها. قطّعت أوصال الوطن. دمرت، شرذمت، وعلى ورغم أن أصوات القذائف والانفجارات بعيدة من مسامعهم، فان تداعيات العدوان الإسرائيلي، طالت السجناء في «وطنهم» الصغير... سجن روميه.
حسين علي مروة

بعضهم نقل من سجون الجنوب. وبعضهم الآخر سقط له شهداء، وساهم استهداف الجسور، وانقطاع الاتصالات الهاتفية في الجنوب، ونزوح الأهالي، وانقطاع بعض المواد الغذائية والأدوية عنهم إضافة الى عدم تمكنهم من غسل ثيابهم، في زيادة عزلتهم.
التوتر كان سيد الموقف. سجناء محكومون مؤبداً تمنوا استمرار الحرب أو استهداف السجن، لعل ذلك يكون سكة خروجهم من ظلمة الحيطان وقسوة العقاب. ثلاثة من السجناء سيطرت عليهم هواجسالفوضى، فنفّذوا عملية هروب فاشلة. اشتدت الانقسامات الحزبية والاصطفافات الطائفية، فكانت نسخة مصغرة عن المجتمع الخارجي. كما عمدت إدارة السجن الى تعزيز القوى الأمنية كإجراء استثنائي تحسباً لحالات تمرد جديدة. أما آخر محاولات العصيان فكانت يوم الاثنين الماضي حين نفذ ثلاثة مسجونين في مبنى الموقوفين إضراباً عن الطعام اعتراضاً على نقلهم الى مبنى المحكومين. كانت نتيجته اشتباكاً بين القوى الأمنية والسجناء انتهى بنقلهم.
سجن روميه المركزي الذي يضم 3200 سجين الذي ازدادت شهرته كونه يستضيف “الجنرالات الأربعة”، يتألف من خمسة مبان ويقسّم السجناء وفق وضعهم القانوني. لكن الحرب جمعتهم في معاناة استغرقت 33 يوماً. فقد انقطعت معظم الزيارات عن السجن، وتكفلت بعض الجمعيات تأمين التواصل مع بعض الأهالي لطمأنة السجناء، لكنه لم يكن كافياً لاحتواء الأزمة التي ظهر أول معالمها في أزمة غذائية تمثلت في أحد أيام الحرب بتوزيع رغيف واحد من الخبز على كل سجين. يقول شقيق السجين س. ح. المحكوم لتعاطي المخدرات إن «الكثير من أهالي الضاحية والمناطق المستهدفة، لم يستطيعوا زيارة أقاربهم بسبب انقطاع الطرقات أو نزوحهم الى مناطق بعيدة عن روميه وضعف السيولة المادية. ويلفت الى أن العديد من السجناء لم تعد تصلهم الحاجات الأساسية التي كان الأهالي يؤمّنونها، وشح مخزونهم من المياه. وأشار الى أن السجناء كانوا يتداولون الأخبار من وراء القضبان، ويتمنون قصف سجن روميه لكي تفتح أبوابه. وعندما يسمعون هدير الطائرات الحربية ترتفع صرخاتهم «يللا اقصفونا لنطلع». أما رسمية والدة ن. ع. البالغ الـ26 من عمره والموجود منذ 9 أشهر في السجن بتهمة السرقة، فتحدثت عن الصعوبات التي واجهتها خلال الحرب. وقالت «نزحت من وادي خالد الى حديقة الصنائع ومكثت هناك 10 أيام. استطعت زيارة ابني ثلاث مرات خلال الحرب. وكان سؤاله الأول في زيارتي الأولى: أين أنتم ماذا تأكلون؟. وقال لي إنه خلال الحرب كان السجناء يبكون ويرجون القوى الأمنية إخراجهم. فبعضهم يجهل مصير أهله وبعضهم الآخر خائف على أقاربه الصامدين في الجنوب». وتتابع «اشتريت له الدخان والأكل والمياه كون مياه السجن غير صالحة للشرب». وتشكو رسمية من «الحرب التي ساهمت في تأخير اطلاق ابني بسبب عدم متابعة ملفه». أما ي. ي. (ابنها سجين منذ ثلاث سنوات بتهمة سرقة سيارة) فقد نزحت الى سوريا خلال الحرب وكانت صديقتها تقوم بزيارته وتتكلف أجرة سيارة نحو 50 دولاراً أميركياً. في حين أن ثريا زوجة السجين خ. ل.تسكن في برج رحال في الجنوب، فلم تستطع زيارة زوجها المحكوم منذ ستة أشهر، بسبب نزوحها الى منطقة جبيل، إضافة الى المشكلة الاقتصادية التي تعانيها. إلا أنه كان يتصل بها عبر جمعية خيرية، وتقول إنه كان يبكي خوفاً وضياعاً ويصف لها حالة السجناء المضطربة وتفاعلهم مع الأخبار التي يتلقونها عبر التلفاز ». وتتابع «كانوا كمن يعيشون في كابوس يتابعون الأخبار ويتلقون أنباء المجازر والعدوان من دون قدرة على الحراك أو الاطمئنان على الأقارب. ولكن ما كان يهدّئ من روعهم أن سجن روميه لن يُستهدف».
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان نُقل 85 سجيناً من تبنين و106 من النبطية الى سجن روميه مما زاد الأعباء في تأمين مستلزمات العيش. اذ كانوا بحاجة إلى الخدمات كما أن حالتهم النفسية كانت سيئة. وساهم في حل أزمة الاكتظاظ الطارئة في روميه إطلاق نحو 350 سجيناً أجنبياً رحلوا الى بلدانهم.
رغم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين السجناء. والتعاطي الذي يختلف مع نفوذ السجين فان هذه الحالة تقلصت خلال الحرب فأصبح الجميع من موقوفين ومحكومين وأحداث سواسية في الحرمان، ما عدا الجنرالات الأربعة. فسجن روميه الذي كان قد استقبل قبل الحرب عدداً من سجناء زحلة بسبب حالة التمرد التي حدثت هناك قبل ثلاثة أشهر، يكتسب أهمية إعلامية وسياسية خاصة بسبب وجود الضباط الأربعة في الطابق الثاني من الجناح المخصص للأحداث. وتقول مصادر أمنية لـ«الأخبار» إن هؤلاء "يعيشون حالة رفاهية مقارنة بسائر الموقوفين".
سجن رومية المركزي يعاني إهمال الدولة وغياب خطّة جدّية لتحسين أوضاعه. ويوماً بعــــد يوم وعدوانـــــاً بعد عدوان، تنتقل المؤسسة العقابية الأساسية في البلد من سيء الى أسوأ. متى تقرّر الحكومة أن تتحرّك؟


"الأروانة"