عمر نشابة
إنّ العقاب بكل أشكاله شرٌّ تنزله السلطة العامّة بالأفراد الذين تعدّهم منتهكين للقوانين والأنظمة. وأهداف العقاب تتركّز على فرض الطاعة وإعادتها. والقاعدة التأسيسيّة لحقّ المعاقبة، الممارس في كلّ المجتمعات، مبنيّةٌ على حقيقة أنّه في حال غياب المؤسّسات الاجتماعيّة والتنظيم الاجتماعيّ، فإنّ لكلّ فردٍ الحقّ في استخدام مختلف الوسائل التي يرى ضرورتها لحمايته الشخصيّة وأمنه، من إخضاعٍ للآخرين أو إيذاءٍ لهم وصولاً إلى القتل. ولتجنّب الفوضى، يسمح أعضاء المجتمع للسلطة العامّة بحمايتهم والدفاع عنهم في مواجهة الاعتداءات والفوضى. هذا لا يعني أنّ النّاس يمنحون السلطة العامّة سلطان المعاقبة بل يعني أنّ الحاجة للحماية والأمن تسمح له بالظهور. ويمكن هذا أن يشرح السبب الذي يجعلنا نفــــهم العقاب وســــيلة تسلّطٍ للأقوياء على الضعفاء ولا سيّما عند فساد السلطة العامّة واختلالها الوظيفيّ.
إنّ العدالة عمليّةٌ تجري لحماية الفرد والاعتراف به لمصلحة الخير العامّ ومن قبل الإرادة العامّة. وينبغي أن يتّحد الفرد مع الجماعة في قبول القانون. والفرد يعتمد على القانون، وعليه لذلك أن يطيعه ويدعمه عند وضعه حيّز التنفيذ. إذاً القانون العامّ، مبنيّاً على «الخير العامّ»، هو توكيد للمواطنة. ولكنّ الناس لا يحترمون القوانين مفهوميّاً، انما يحترمون بدرجةٍ أساسيّةٍ القيمَ التي تدافع عنها قوانينُ الجماعة. وعليه، فإنّ احترام القوانين لا يتعلّق بامتلاك قدرٍ ما من الشعور بالمسؤوليّة بقدر ما يتعلّق بالمعرفة العاطفيّة للواجبات التي يقرّرها المجتمع سلفاً ارتكازاً على موقع الفرد في الجماعة. ومن هنا، يعدّ الشخص الذي ينتهك القوانين والأنظمة ولا يحترمها عدوّاً للمجتمع الذي ينتمي إليه. وهكذا تــــنشأ في إطار الجماعة مشاعر عدوانـــيّةٌ تجاه ذلك الشخص. ويرتكز المحرّك الأساسيّ لهذه المـــــشاعر العــــدوانيّة إلى حماية الخير العامّ.