فراس زبيب
«خذ من الموجود أمامك»، قال لي بائع السمانة الجالس خلف صندوقه في الدكان. قالها بعصبية، ولكن بعصبية مهذبة. وأضاف: «يجب أن يوقف اللبنانيون غنجهم. لم يعد يليق بنا أن نتدلّل، فالبلد تحت حصار».
كنت قد دخلت إلى الدكان لأشتري غرضاً، وسألت صاحب الدكان عن ماركة معينة اعتدت شراءها من عنده. لم يفهم أبو خليل كيف أنني، في ظل الوضع الأمني الذي يعيشه البلد، لم أكتف بالماركة المحلية الموجودة على رفوف محله.
أبو خليل، الذي لطالما كان فخوراً بأنه يملك في محله بضائع وأغراضاً لا يجدها أهل الحي في الدكاكين الصغيرة الأخرى، بدا مستاءً من سؤالي، كأنه ذكّره بأنه لم يعد الشخص نفسه، كما أن محله لم يعد المحل نفسهمنذ فترة قصيرة، كان أبو خليل، حين ينقطع من مادة ما، يطلب من الشاب الذي يعمل عنده أن يذهب ليشتريها من مكان آخر. لم يكن يرضى صاحب «ميني ماركت أبو خليل» أن يأتي إليه زبون ولا يجـد عنده مطلبه.
كان يكذب على الزبون أحياناً، حين يتصل به هذا الأخير طالباً منه أن يرسل مع الشاب هذا الغرض أو ذاك، فيشتريه من السوبر ماركت ويضعه في كيس كُتب عليه اسم محله، ولا يأخذ مالاً إضافياً ثمنه.
اليوم، لم يعد دكان «أبو خليل» المحل الذي نجد فيه كل شيء. بات صاحبه يستاء من طلب الزبون الذي يأتيه باحثاً عن غرض معين أو ماركة معينة. يعتذر من زبائنه، ولا يرسل حتى الشاب ليشتري من السوبر ماركت البضائع التي لم تعد متوافرة عنده.
دكاكين الحي باتت كلها مثل بعضها البعض. لم يعد في بيروت مكان نجد فيه منتجات غير التي نجدها عند غيره. كل المحلات باتت تبيع البضائع نفسها، تلك التي لا تزال متوافرة في السوق الداخلية من مستوردات ما قبل الحرب، والتي لم تتأثر بالحصار الإسرائيلي على لبنان.
«البارحة، انتبهت إلى أنّ لبنان محاصر»، يقول رامي. كان قد دخل إلى أحد المحلات الكبيرة في بيروت، ووجد فيه رفوفاً كاملة فارغة. انتبه رامي إلى الحصار الذي يعيشه لبنان، كما ينتبه المرء في صالونه إلى غرض موضوع في غير مكانه.
بيسان، الفتاة التي تحب من بيروت كل ما يشبه الغرب فيها، تعترض على ما يقوله أبو خليل. فهي تجد أنّ لبنان لم يعد قابلاً للعيش، ببساطة. «الأشياء التي كنت قد جعلتها أساسية في حياتي اليومية لم أعد أجدها»، تقول حين تعود من السوق.
بيسان لم تشعر بالجوع، بعد. وهي لم تجد نفسها مجبرة على أن تأكل أشياء لا تحبها، أو أن تعيش على منتج واحد لأنه وحده المتوافر في المحلات. هي، حين تذهب الى السوق، تجد كل ما تريد. تعود مع أكياس ملأى بالأشياء، كما كانت تفعل قبل الحرب.
ما تغيّر على بيسان، هو أنها لم تعد تجد الأصناف نفسها التي اعتادت على شرائها. أي أنها، حين تودّ شراء حليب مثلاً، تجد حليباً ولكن من علامة تجارية غير تلك التي تريدها.
بيسان، لا توافق، على ما قاله أبو خليل، بأنّ غنج اللبنانيين وحده هو المحاصر اليوم. «إنها أشياء حياتنا التي لم نعد نجدها في المحلات. إنّه أسلوب حياة اعتدنا عليه، فكيف نعذر نقصانه بتسميته إضافات؟»، تسأل بعصبية كتلك التي توجّه بها أبو خليل إليّ.
كأنّ بيسان لا تنتبه، حين تتكلّم عن الأشياء التي لم تعد تجدها في الأسواق، أنّ لبنان محاصر. تتحدّث كأنّها تحمّل البلد نفسه مسؤولية ما لا تجده فيه.