نادر فوز
انتهى العدوان الإسرائيلي على لبنان. بدأت عملية مسح الأضرار. وانطلقت مبادرة حزب الله في دفع التعويضات للمدنيين المتضررين جرّاء القصف الإسرائيلي. أزمة أخرى خرجت إلى العلن: أين سيسكن أهالي ضاحية بيروت الجنوبية الذين تدمرّت أو تضرّرت منازلهم؟
رغم أنّ معظم أهالي الضاحية يفضّلون البقاء فيها، فإنّ الضاحية تعاني بوضوح قلة الأماكن السكنية المتوفرة. وكما كان متوقعاً، بدأ سكان هذه منطقة بالتوجه إلى “الشرقية” أو الأحياء الحدودية التي مثّلت سابقاً خطوط التماس بين المنطقتين المسيحية والمسلمة. وعاد، مع هذا “التوجه”، خطاب بعض المسيحيين الذين آمنوا منذ عقود القرن الماضي بوجود “هجمة إسلاميةفأخفى بعض سكان “الشرقية” وجود مساكن للاستئجار، أو تهربوا بصراحة من إمكان تأجيرها لـ“المسلمين”. ومنهم، على العكس، من فتح أبواب شققه وخفض تسعيرة الإيجار الشهري لتمكين “المنكوبين” من السكن في بيت لائق. حجج عديدة يستخدمها أنصار قضية “مسيحيي الشرق”: “أصحاب البيت هشلوا بالحرب بس راجعين”، “راحوا بالصيفية وبدّن يرجعوا”، “البيت ما بيسوا، كلّو رطوبة وما بتدخلّو الشمس”. أو يكتفون بالقول “ما في هون للأجار”، أو يرفعون الأسعار من 300 دولار إلى 400 أو أكثر! هذه بعض الأجوبة التي قد يتلقاها “مواطن الضاحية”، الذي يحاول البحث عن منزل، وهو يجول بالقرب من جدران طبع عليها “بدّا تضلّ جراسنا تدق”.
من “السكان الأصليين” لـ“الشرقية”، ومنهم أبو جورج صاحب أحد الأبنية السكنية في منطقة الحدث، من يخشى على نفسه من الشيعة. فيقولها بالفم الملآن: “يا خيّي ما بتعرف شو بيعملوا بالمنطقة!”. ويرى أنّ لكل طائفة خصائصها ومعتقداتها وعاداتها، “ما بدّي صير فيق الساعة خمسة عصوت الجامع”. ثم يكمل “اليوم بيستأجروا وبكرا بيعمّروا جوامع عنّا”. ومنهم من يتخوّف ألا يدفع أهالي الضاحية مستحقات الاستئجار، “معوّدين كل شي بيوصلّن ببلاش، كهربا، ميّ، دشّ!”. هذا ما يقوله عصام الذي يقطن في الحدث أيضاً.
ومن هؤلاء السكان من يتخوّفون من أن تصبح منازلهم مراكز حزبية أو عسكرية. “ما بتعرف شو بيضبّوا ببيوتهم؟”، يتساءل أحد شبان المنطقة. فجان يتخوّف فعلاً من أن تصبح بيوت المدنيين “الشيعة” مخابئ أسلحة أو حتى منصّات للصواريخ!
وفي منطقة الحازمية، التي تضم الكثير من العائلات “غير المسيحية”، تتواصل نقمة الأهالي على وجود “المجلس الشيعي”. وتنفّذ اليوم أعمال بناء في محيط “المجلس”، فتعترض بعض الأصوات التي تظن أنّه يجري بناء مسجد!
من جهة أخرى، خفض أبو سيمون إيجار شقتين من 300 دولار إلى 250 دولاراً، لتمكين عائلتين “منكوبتين” من السكن في الحدث. ليس هذا العمل تصرفاً إنسانياً فقط، بل تجاري أيضاً: “شو بتركن مسكّرين وبتفرّج عليهم؟”. يقول أبو سيمون إنّ من واجب جميع اللبنانيين أن يتكاتفوا وأن يمدّوا يد المساعدة للمتضررين جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية، “ما إلنا إلا بعضنا بالنهاية”.
أمّا عبّاس الذي صادفناه وهو يبحث عن منزل للإيجار، فيرى أنّ كل المناطق اللبنانية مفتوحة للجميع. ولا يجد أية مشكلة في السكن حتى في “الشرقية”، لكنه يقول: “يمكن لو ما كنت شيعي كنت سكنت بسهولة”. عباس حصّل تعويضه من “الحزب” منذ أيام عديدة، لكنه لا يزال حتى اليوم يسكن عند أخيه في “معـــــوّض” بســـــبب عدم وجــــــود منــــــزل يســـــتأجره.
عادت أجواء “الرعب” تخيّم على بعض أهالي “الشرقية” الذين ما زالوا يتخوّفون من “الهجمة الإسلامية” على منطقتهم. فعاد قسم منهم إلى خطاب سبعينيات القرن الماضي، مطلقاً العنان للأجراس وخطابات التقسيم. فهل يقف لبنان مجدداً على أبواب مشاريع تقسيمية حديثة لكن بنكهة معتادة؟