جورج شاهين
النداء السابع لمجلس المطارنة الموارنة لقي ردود فعل مختلفة. وفي وقت رحبت به اطراف، على تناقض مواقفها من رئاسة الجمهورية، أعربت جهات اخرى عن استيائها من الانتقاد القاسي للمقاومة التي حمّلها البيان نوعاً من المسؤولية عن تفردها بالقرارات المصيرية، وما ترتب على حرب تموز، كما امتعضت الجهات المذكورة من عدم تسمية العدو الاسرائيلي بالاسم. واكتفت مصادر قريبة من البطريرك بالقول: «لا خلفية لمضمون البيان تتجاوز مصلحة لبنان، فالبطريرك ليس مرشحاً لمنصب، ولا ابن له يرشحه للانتخابات».
وقبل الدخول في قراءة معمقة للنداء، لا بد من التوقف عند ثلاث ملاحظات اساسية:
الأولى: ان النداء يحتمل العديد من التفسيرات المتناقضة، ذلك انه لم يتناول موقع رئاسة الجمهورية من ناحية تخدم اياً من طرفي الصراع حولها بقدر ما اجرى تشخيصاً لما آل اليه «الموقع الأول للموارنة» في لبنان، من دون ان يحدد حجم المسؤوليات وعلى من تُلقى، فتحدث عن «فقدان التوازن السياسي» وتأثيراته على «صيغة العيش المشترك» وردّ الامر الى «غياب دور الرئاسة الأولى»، بحيث يمكن للطرفين أن يفسرا ذلك انتصاراً لمنطق كل منهما، وهذا ما جرى بالفعل.
الثانية:ان النداء كان قاسياً بحق المقاومة عندما تحدث عن«تفرد جماعات طائفية بالقرار... أخذت البلد الى حيث لا يريد»، وهنا تظهر القراءة المجتزأة لفقرات النداء، والواقع يقول بالقراءة الشاملة، فلا يقف المنتقدون عند «لا إله» ويتجاهلون الجزء الثاني من الآية «الا الله». والعودة الى مضمون الفقرة الرابعة منه كفيلة بإيضاح ما التبس، فقد تحدثت عن مراحل ثلاث تعطي نماذج عن التفرد بالقرار، وبدأت بالموارنة تحديداً من خلال العودة الى أحداث 1958 و«تحميلهم مسؤولية التفرد بالقرار، واستذكر، من دون ان يسميه، الرئيس الراحل كميل شمعون عندما كان في السلطة، وكل من سبب الانقسام الحاد بين حلف بغداد وتيار عبد الناصر، قبل أن يتحدث عن المرحلة الثانية التي تفردت بها الطائفة السنية، عندما أشار الى فئة عدّت «المنظمات الفلسطينية جيشاً لها» وأباحت للـ«الكفاح الفلسطيني ارض لبنان». وفي المرحلة الثالثة أشار الى «حزب الله» والمقاومة عندما «انفردت جماعة لبنانية باستمرار حمل السلاح بعد تحرير معظم الجنوب خلافاً لأحكام الطائف.. فكانت حرب تموز».
الثالثة: أخذ البعض على البطريرك صفير، ومن خلاله مجلس المطارنة، تجاهله العدو الإسرائيلي، وبالاستغراب نفسه يقول العارفون بخلفيات النداء، إنه كان عرضاً شاملاً للأحداث، ولم يتوقف عند محطة معينة بقدر ما قدّم وصفاً للوضع الخطير في البلاد، وأشار في الفصل الثاني من النداء تحت عنوان «ما نحن فيه اليوم» الى العاصفة وما خلّفته من خسائر وضحايا ومن «بينها اطفال في عمر الورود». وأشار بوضوح الى الحصار وما يمثّله من اعتداء على السيادة. وكان البطريرك قد اشار قبل اسبوعين في خطبة الأحد التي تلت الإنزال في بوداي، الى الاحتلال الإسرائيلي بعبارات إدانة واستنكار واضحة للهمجية والعدوانية الإسرائيليتين، وانتهاك اسرائيل القرار 1701، وهذا امر بديهي ولا حاجة للبطريرك الى التنويه دوماً برأيه «في وجود عدو واحد للبنان، هو اسرائيل».
الى ذلك، جاء النداء ليمثّل دلالة واضحة على مدى استيعاب البطريرك صفير ــ وهو الذي يعد البيان الشهري لمجلس المطارنة ــ للكثير من الحقائق المؤلمة على اكثر من مستوى وخصوصاً في الميدان المسيحي، وقد نقل عنه زواره في الديمان خلال الأسابيع الماضية «ألمه الشديد» ممّا آل اليه الوضع المسيحي، من دون أن ينتصر لطرف على آخر، وقال في التراشق الإعلامي كلاماً «من الصعب نشره». وهو، وإن نوّه في اكثر من مناسبة بالحكومة، لم يقصّر في البيان الذي صدر عن مجلس المطارنة في 7 تموز، في انتقاد الأداء الحكومي وتفرد فئة بالمواقع والتعيينات. ولم ينس البطريرك بعد مصير الوعود التي اعطيت له بتصحيح الوضع الإداري في وزارة التربية، مثلاً، حيث المدير العام الماروني لم يعيّن فيها بعد!.