فاتن الحاج
تفتقد كلية العلوم في الجامعة اللبنانية هذا العام 11شهيداً مجاهداً ارتفعوا في المواجهة مع العدو الصهيوني. الكل يعرف الشهداء بعدما نسج هؤلاء علاقات اجتماعية مع الطلاب والأساتذة والموظفين.
أما الشباب الأصدقاء فيباركون الإستشهاد بألم مزدوج: ألم فراق الأحبة وألم الشعور بالذنب لعدم استحقاق الشهادة. لكنّ ما يعزيهم «أنّ الله لا يختار أيّاً كان، والشهادة لا تأتي من القلوب الفارغة بل هي ختام مسيرة حياة الإلتزام الديني والدنيوي».
فخرّيج الكلية الشهيد بشير علوية حمل حقيبة مسؤوليات تجاه ربه ووطنه وجامعته، على حد تعبير زميل الدراسة والجهاد أسامة. لم يكن بشير، بحسب أسامة، مميزاً بصلاته وصومه وحسب، بل بعلاقاته بالطلاب القدامى والجدد والجامعة التي أحب وظل يقصدها بعد التخرج.
لا ينسى أسامة ديناميكية بشير في تنظيم الأنشطة ومعرض المقاومة السنوي. «يصفن» ثم يتذكر ابداع بشير في صنع مجسم للكلية من عود الكبريت. يضحك ثم يقول: «الأمر الوحيد الذي كان بشير يفكر به ولا يتحدث عنه هو الزواج».
إلا أنّ أسامة لمس لدى بشير تصميماً جدياً على الإرتباط في الشهرين الأخيرين حين جاءه يستفسر عن الإجراءات والتكاليف. لكن بشير رحل قبل الزواج شأنه شأن شهداء الكلية الـ11.
يشعر أسامة أنّ ورقة قطعت من قاموس حياته باستشهاد بشير، «المجاهد في تعابير وجهه وتصرفاته وتفوقه، والذي استحق أن يسبق «اخوانه» إلى الشهادة». يقول «لا أفتقد بشير بل أفتقد نفسي، هو الحي وأنا الميت، هو يتكلم وأنا صامت، هو يضحك وأنا أبكي». يذكر أنّ أسامة هو أخ لشهيد وابن عم شهيد ارتفعا في المواجهة أيضاً.
لا يصدّق المسؤول الإعلامي في مجلس فرع الكلية بلال العجمي أنه فقد حسين رزق وعلي جواد، فبلال وحسين وعلي وعلي الهادي كانوا شلة واحدة لا يفترقون حتى بالنوم. يرتدي بلال اليوم بنطال حسين ويضع خاتم علي الذي سحبه منه بعد استشهاده. يبدو مقتنعاً أنّ حسين يجلس معه بروحه، يراه، يراقب تصرفاته، يصحح أخطاءه. يتحدث بلال عن روحانية تجمع الشهداء ما جعلهم يمتلكون طمأنينة يواجهون بها العدو « غالبيتهم ذهبوا غدراً في أثناء المواجهة ولم يكونوا في مخبئهم». فبشير على سبيل المثال بقي يقاتل 24 ساعة في أرض المعركة وهو لا يملك سوى 30 طلقة. وحسين كان «يرمي على اليهود» حين أصيب بغارة.

حظي بلال برؤية حسين في يوم الأسر أو اليوم الأول للعدوان عندما أصر الذهاب إلى الجامعة ليطمئن إلى نجاحه قبل الالتحاق بجبهة الجنوب. ودع رفاقه من دون أن يودع أهله فأم حسين لم تنعم بالقبلة الأخيرة لكنها تعتز بلقب «أم الشهيد» ويعزيها أنّ نبأ استشهاده ورد في ذكرى ميلاده العشرين في 18 آب الماضي.
لم تتوقع أم حسين أنّ ابنها سيصبح بطلاً وتضحك حين تتذكر أنها كانت تسأله عما إذا كان يخاف من العودة لوحده في الليل.
تروي أم حسين كيف استنفد شهيدها كل طاقاته في الأيام الأخيرة. «كان شغوفاً بالعلم، لقد أراد أن يدرس الصيدلة في سوريا إلى جانب اختصاصه في كلية العلوم، كما أصر الخضوع لعدة دورات في اللغتين الإنكليزية والفرنسية». تقول أم حسين إنّ الشباب الذين يأتون إليها معزين يشعرون أنهم مذنبون لأنّ الله لم يخترهم شهداء.
ومع ذلك فكلية العلوم تزخر بمشاريع شهداء ينتظرون نداء الجهاد. وقبل وصول الساعة الموعودة يتنافس الطلاب المجاهدون في العمل الطلابي والتحصيل الجامعي فيبدعون ويتفوقون.