strong>صدرت حتى اليوم اربعة تقارير عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وآخرين، اضافة الى تقرير صدر عن لجنة تقصّي الحقائق. وقبيل صدور تقرير اللجنة الخامس، سلّم مساعد الامين العام للشؤون القضائية نيكولا ميشال مسودّة مشروع انشاء المحكمة الدولية.
عمر نشّابة

أنشأت المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان بموجب اتّفاق بين الأمم المتّحدة والحكومة اللبنانية بحسب قرار مجلس الأمن 1664 (2006) تاريخ 29 آذار 2006 الذي يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة التفاوض مع الحكومة اللبنانية على “اتفاق يرمي الى إنشاء محكمة ذات طابع دولي، استناداً الى أعلى المعايير الدولية في مجال العدل الجنائي”.
ان المسودة التي نشرت أمس في “النهار” استندت الى معايير القانون الدولي الجنائي وقانون حقوق الإنسان الدولي الذي يؤمّن المحاكمة العادلة. ورغم ذلك تردّدت أمس أخبار عن طلب لبناني لتعديل بعض المواد التي تتضمّنها المسودة.
وقال الوزير بهيج طبارة لـ“الأخبار”: “لا علم لي بأي مطلب لتعديل المسودة، ولم أطّلع عليها أصلاً، ويُفضّل أن لا يبحث في نصّ مترجم صحافياً لأن الترجمة قد لا تكون دقيقة”. لكنه أضاف لاحقاً أن نصّ مسودة المحكمة لا بد أن يلتزم بالمعايير القانونية الدولية. وقال إن مسودة المحكمة تحتاج الى نصّ اتفاق بين الأمم المتحدة والدولة اللبنانية، ولم ينشر ذلك حتى الآن.
من ضمن اختصاص المحكمة الخاصة الجريمة الإرهابية التي استهدفت الرئيس رفيق الحريري و“أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها حصلت في لبنان بين الأوّل من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005” (الباب الأوّل، المادّة 1) ولا يعدّد نصّ المسوّدة هذه “الأعمال” كما انه لا يصنّفها بشكل واضح بالإرهابية. وبالتالي فمن صلاحية المحكمة النظر في أي حادث حدث في الفترة المذكورة تعتبره مماثلاً وخطيراً. وقد لا يقتصر ذلك على الانفجارات التي حصلت في هذه الفترة.
يذكر نصّ المسودة أن للمحكمة الخاصّة السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص المسؤولين عن الجريمة الإرهابية كما هو منصوص عليه في المادّة 314 من القانون الجزائي اللبناني، واتّفاق 1998 العربي حول القضاء على الإرهاب، علماً بأنّ لبنان طرف فيه (المادّة 2) لكن المادة 314 تعرّف الأعمال الإرهابية بـ“جميع الأفعال التي ترمي الى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة، والعوامل الوبائية أو الميكروبية التي من شأنها أن تحدث خطراً عامّاً”. ولا تشير بشكل واضح الى اعتبار عملية اغتيال شخص معيّن عملاً إرهابياً. واتفاق 1998 العربي حول القضاء على الارهاب، الذي شارك في صياغته لبنان ووقّع عليه وزيرا العدل والداخلية اللبنانيان يعرّف الارهاب بـ“كلّ فعل من أفعال العنف أو التهديد، أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر”.
أما محامي اللواء الموقوف جميل السيد، أكرم عازوري، فعبّر لـ“الأخبار” عن استغرابه للسرّية التي تلفّ المسودة وعدم نشرها وتوزيعها لمناقشتها. وقال عازوري إن السلطات ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته عندما وضعت مذكرات التفاهم مع لجنة التحقيق الدولية والتي كانت تتضمّن خرقاً للقانون اللبناني وللأصول الرسمية. وأكّد عازوري “نحن غير معنيين بالمحكمة الدولية لأنه لا توجد دلائل قانونية كافية تسمح بمحاكمة موكلنا”. وطلب عازوري أن توضع مسودة المحكمة في متناول نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس وفي متناول جمعيات حقوق الانسان وسلطات مستقلة لبحثها والتدقيق بمضمونها، بما يضمن حقّ الدفاع وحقوق الانسان وشروط المحاكمة العادلة في هذه القضية.
وقال عازوري إنه يخشى أن تنهى مهمّة براميرتس بقرار سياسي. وذكّر بأن انتداب براميرتس ينتهي في 5 حزيران 2007 ويخشى أن لا تنشأ المحكمة قبل ذلك وتضطرّ السلطات لإحالة الملفات غير مكتملة الى محكمة دولية، وبعد ذلك تعمل على تحقيق مطوّل يكلّف أموالاً باهظة وقد لا يؤدي الى تجريم أحد، ويكون المجرم الحقيقي، تالياً، قد فرّ من العدالة.
تنصّ المسودة على أن للمحكمة الخاصة والمحاكم اللبنانية سلطة مشتركة لممارسة اختصاصها، ولكن ستكون للمحكمة الخاصّة أوّلية على المحاكم اللبنانية (المادّة 5)، ويبشّر النصّ بأن المدّعي العام سيعيّن في فترة لا تتعدّى شهرين (من موعد إقرار المحكمة) يُنقَل بعدها الأشخاص المحتجزون بسبب التحقيق إلى وصاية المحكمة. ذلك يعني أن الضباط الأربعة سيخضعون لسلطة المحكمة إذا لم يطلق سراحهم قبل تعيين المدعي العام، وأن النظام الأساسي لا يؤخّر انتقال هؤلاء الى سلطة المحكمة، لكن التأخير قد يأتي من طريق المماطلة بالموافقة وبإقرار المشروع في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب الذي يشغل أكثرية مقاعده نواب كانوا قد عبّروا علناً عن اتهامهم الجنرالات الأربعة بارتكابهم جرائم إرهابية، وبالتالي صدقيتهم على المحكّ لأن مسودة المشروع تعتبر (المادّة 20) أن الأدلّة التي جمعتها السلطات اللبنانية أو لجنة التحقيق الدولية المستقلّة قبل إنشاء المحكمة الخاصّة “ستكون مقبولة من المحكمة إلا إذا قرّر قاض ما قبل المحاكمة أو غرفة المحاكمة أو الاستئناف خلاف ذلك بحسب المعايير الدولية الدنيا حول جمع الأدلّة، وتحدّد المحكمة الثقل الواجب إيلاؤه لهذه الأدلّة”.
وفي هذا السياق، أعرب مصدر قضائي رفيع لـ“الأخبار” أن القضاء اللبناني كان قد استحصل على أدلّة جنائية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحسب المعايير القانونية المحلية. وقال إن هذه المعايير قد لا تتطابق مع المعايير الدولية، ويحقّ بالتالي للمحكمة الدولية رفضها كدلائل قانونية. فيطلب المصدر القضائي الرفيع الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن على المحكمة الدولية أخذ هذه الأدلة بعين الاعتبار وعدم النظر إليها وكأنها “عديمة الوجود”.
أما في ما يتعلّق بصدقية القضاء اللبناني، فذكرت المسودة أنه “يمكن أن تحاكم المحكمة الخاصّة شخصاً حاكمته محكمة وطنيّة إذا لم تكن إجراءات المحكمة الوطنية محايدة أو مستقلّة، أو كان الهدف منها حماية المتّهم من المسؤولية الجنائية الدولية أو لم يُنظَر في القضيّة بإتقان (المادة 6) وذلك يشير الى شكّ ما بتدخلات في سير المحاكمات في لبنان. وفي هذا الخصوص قال المصدر القضائي الرفيع لـ“الأخبار” إن “هذا شيء طبيعي، وكلّ المحاكم الخاصة تتضمّن هذا النصّ، ففي سيراليون مثلاً، حيث قتل مليون شخص، كانت المحاكم المحلية قد أصدرت عفواً عاماً، وذلك كان ينبغي أن تتخطّاه المحكمة الخاصّة وتلغي مفاعيله حتى تتمكّن من محاكمة المذنبين”. وتشدّد مسودة المحكمة (المادّة 10) على الالتزام بالقانون الدولي وبقانون حقوق الإنسان الذي يؤمن حقوق الدفاع والشهود والمشتبه بهم على حدّ سواء. وتضيف المسودة أنه “يجب أن يؤخذ جيداً في الاعتبار كفاءة القضاة المثبَتة في القانون الجنائي والإجراءات القانونية والقانون الدولي، بما في ذلك القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان”.
تنصّ المسودة على انشاء “وحدة ضحايا وشهود”. وتؤمّن هذه الوحدة، بالتشاور مع مكتب المدّعي العام، إجراءات لحماية أمن الضحايا والشهود ورفاههم الجسدي والنفسي وكرامتهم وخصوصيّتهم، وأيّ مساعدة مناسبة أخرى للشهود الذين يمثلون أمام المحكمة والأشخاص الآخرين المعرَّضين للخطر بسبب الإفادات التي يدلون بها.
أخيراً تنصّ المسودة على أنه في سبيل إدانة المتّهم، يجب أن تكون المحكمة الخاصّة مقتنعة بذنبه بطريقة لا يرقى إليها الشكّ (المادّة 17) لا الاعتقاد والظنّ والترجيح.