strong>يرى سيمون كرم الذي يتنقل بين بيروت ومدينته جزين الى صورة لبنان اليوم بشيء من التشاؤم، وان كان يفضل اعتبارها واقعية سياسية، لعلها نتيجة طبيعية لعاصفة الغبار الاسرائيلية التي غطت كل سماء الجنوب.فداء عيتاني

لم يتماه السفير سيمون كرم مرة مع العمل السياسي بشكل كامل. يرفض لقب محترف سياسي منذ كان طالباً جامعياً نشطاً بين زملائه. ولم يغرق مرة الى النهاية في العمل العام. بعد تركه المناصب الرسمية عاد الى النشاط السياسي المباشر قريباً من الكنيسة ومتابعاً للبحث عن الدور المسيحي في دولة الطائف. وكان لفترة طويلة أحد أركان لقاء قرنة شهوان. وهو اليوم يقف بعيداً، يراقب التحولات والتطورات، مراجعةً أو نقداً أو إعادة نظر. ويغيب عن دائرة الضوء بما يشبه العزلة التي يكسرها في حواره مع «الأخبار»، الكثير من الواقعية، وصولاً إلى الخشية من وصول لبنان الى مرتبة «الدولة الفاشلة».
يبدأ كرم بالإشارة الى أن «ابتعادي عن الأجواء نتيجة خيار سياسي، جزء منه له علاقة بانقضاء الحقبة السورية في لبنان، وجزء آخر له علاقة بنظرة خاصة الى السياسة، فأنا لست محترفاً للعمل السياسي، وجزء منه له علاقة بأوضاع البلد وتطوراته، وبدايات الحقبة الاستقلالية والعثرات التي تعرضت لها، ومجمل هذا أدى الى الابتعاد عن المسرح السياسي بعد أفول نجم لقاء قرنة شهوان الذي أصبح موضوعه من تاريخ البلد السياسي، وهو كان يعبّر الى حد كبير عن امكانات العمل السياسي داخل البيئة المسيحية آنذاك. ونهايته تشير الى حدود الممكن وغير الممكن في العمل السياسي داخل البيئة المسيحية».
يضيف كرم «أعتقد بأن اللقاء مات. لم يعد هناك أي شيء اسمه لقاء قرنة شهوان، هناك شخصيات وقوى سياسية تعتدّ بانتمائها السابق الى هذا اللقاء، أما محاولة إضفاء حياة حيث انتفت أسباب الوجود ففيها شيء من المكابرة».
وترسم تجربة قرنة شهوان، بحسب كرم «الممكن بالنسبة الى المسيحيين» وهو كان «دورهم الرائد في التصدي لاستفحال الممارسات السياسية السورية في الحقبة الأخيرة». ويتابع: «لكن من غير الممكن الآن التصدي للتحديات المطروحة في وجه الاجتماع ــ السياسي في البلد ككل انطلاقاً من لقاء بين مجموعة من الشخصيات والقوى، يربط بينها رابط الحد الأدنى فيما المطروح على اللبنانيين عموماً ومن ضمنهم الجماعة المسيحية، هو نمط أعلى من التضامن والرابط السياسي إذا ما أرادوا لبلدهم أن يستمر ويستبطن مكونات الحياة».
وعلى رغم ان هذا الكلام قد يختزن كمّاً من الخيبة، الا ان كرم يؤكد انه «ليست هناك من خيبة. هناك تحديات اضافية بعد الخروج السوري، وهي كبيرة، منها العلاقة مع بقية الطوائف، وإن لم تكن الحياة السياسية فقط العلاقة بين الطوائف، واللبنانيون أثبتوا أنه تربط بينهم معتقدات ومفاهيم ونظم ايمانية واسعة بالمعنى السياسي، وهي تطرح في وجه القوى السياسية ومنها التي أتت من رحم الجماعة المسيحية، تحديات أختصرها ببناء الدولة بعدما ثبت ان اللبنانيين حسموا مسألة هويتهم وانتمائهم الوطني. مطروح الآن بوجههم موضوع إمكانية أو عدم تمكّنهم من بناء الدولة».
«طبعاً لا يزال هناك تهميش مسيحي» يقول كرم، «أعتقد بداية بأن المسيحيين همّشوا أنفسهم، فهم وصلوا منهكين الى نهاية الحقبة السورية، أتعبوها ولكنها أتعبتهم الى حد كبير. وصلوا ولم تكن الرؤية واضحة بالنسبة الى شرائح أساسية من بينهم، وهم عموماً، كما غيرهم من اللبنانيين، تأتي استجابتهم بطيئة للأسئلة الكبيرة. كان هناك أيضاً استسهال من الفئات السياسية الكبرى لإبقاء الامور على ما كانت عليه في الأعوام الـ15 الماضية. وإذا أردت فذلك أتى من التحالف الرباعي»، أي وليد جنبلاط وسعد الحريري وحزب الله وحركة أمل، «وأظن أن التحالف الرباعي شكل المسمار الثاني في نعش الاستقلال الثاني، إذا اعتبرنا أن حركة الثامن من آذار هي المسمار الأول».
لا يعتقد كرم بأن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يختزلان الواقع المسيحي، «وبعد مرور 18 شهراً على انتهاء الوضع الشاذ وبعد انخراط التيارين اللذين يمثلان هذا الواقع في الحياة السياسية بدا واضحاً أن الساحة المسيحية أغنى من ناحية وأكثر تفتّتاً من ناحية أخرى».
ويضيف ضاحكاً «الإحباط المسيحي أصبح عاماً وشاملاً، وتبين أنه معد على أكثر من صعيد، وحساسية المسيحيين عموماً سبّاقة، وتلتحق بهم سائر الجماعات اللبنانية، سواء في الايجابي او السلبي من الامور. وإن كان الاحباط هو ما يُعبّر عنه بالانكفاء عن الحياة السياسية او خفض «الأوهام» بالنسبة إلى القوى السياسية القاطرة أو القائدة، أو يُعبّر عنه أيضاً بتراخي الانتماء الوطني وصولاً الى الهجرة، فأظن أن الإحباط أصبح عاماً وعالياً. وطبعاً الحرب الأخيرة أتت لتفاقم هذا المضمون».
وفي شأن القرار الدولي الرقم 1701 يعتقد كرم بأنه «ملتبس على أكثر من صعيد. ما حققه هو فك اشتباك وإحداث عزل بين قوتين عسكريتين، هما حزب الله واسرائيل، وسيجعل المسؤولية دولية بالنسبة إلى مجموعة من الوظائف التي كان مفترضاً بالدولة اللبنانية أن تمارسها، وهي أن لا تتمتع الدولة فقط بأحادية القوة المسلحة، وإنما أيضاً بالحق الحصري في استيراد السلاح. وبعد فك الاشتباك، القرار سيردنا الى منظومة من القرارات الدولية التي يقع في وسطها 1559 الذي يردنا أيضاً الى منظومة من الاتفاقات الداخلية المبرمة، المُعبّر عنها باتفاق الطائف، والتي اختلفنا على تطبيقها على رغم وضوحها. وبعد أن يؤدي القرار 1701 الى عزل الداخل اللبناني كبؤرة متفجرة على جانب اسرائيل، ومتفجرة في حد ذاتها، سيردّك الى كل الإشكاليات المعهودة في الداخل اللبناني، التي تعثّرت منذ تعثّر اتفاق الطائف».
وبنتيجة للاعتداءات الاسرائيلية وللقرار الدولي فان الوضع الداخلي بحسب كرم يتراجع «(رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود) اولمرت يقول انه سيردنا 20 سنة، هل تشك لحظة بانه سيردنا (الى الجدل الذي كان قائما منذ 15 عاما). النقاش انطلق الان في هذا المجال، ومشكلته انه يتسم بحدة كبيرة، وهو يدور بين طرفين الاول يقول بالطائف ولا حرف اضافة له، والاخر يطرح مواصفات للدولة واثارة الاطمئنان، وكلاهما يضمران غير ما يظهرانه، وهما يضمران صراعا على السلطة في البلد، ولكن على انقاض البلد».
ويدافع كرم عن دور المسيحيين في الدولة ويعتبر انهم «بقوا أمينين لفكرة بلد مستقل وبلد تمر فيه المصلحة اللبنانية قبل القضايا التي تثير حمية تتعدى حدود الوطن، سواء كانت قضايا عربية عامة او اسلامية اكثر شمولا، ومنظومة حريات سياسية ودينية ووجودية يريدون التمتع بها هم وكل اللبنانيين، ولبلد متعدد، وهذا لا يزال قائما الى حد كبير. فكرة اقتراب الاخرين من هذه المنظومة السياسية تريح المسيحيين، وهم يحاولون دائما لعب هذه الادوار».
وبدل تقديم الاجابات على مستقبل البلد يقدم كرم أسئلة «ما هو مطروح هو قابلية البلد للاستمرار تحت الضغط السياسي والعسكري الأحادي الجانب، والى حد كبير سبق السيف العذل، ولا أجد اليوم، صدقاً، بأن ما كنا نحذّر منه قد وقع، وأردّ بسؤال معاكس: هل استمرار المقاومة كما مورست في السنوات الست الاخيرة لا يزال ممكناً؟».
وليس من دون تشاؤم يقول كرم «انظر الى المناطق الأخرى من العالم التي تحرسها قوات الأمم المتحدة، فهي مناطق البؤس والشقاء، وحيث يسود ما اصطلح على تسميته الدول الفاشلة، وهي المجتمعات الي لم تتمكّن من انتاج صيغ سياسية لانتاج دولة قادرة على القيام بمهامها السياسية. إن شاء الله ألا نكون دولة فاشلة، كان الامل كبيراً من وجهة نظري أن ينتشل اللبنانيون أنفسهم لانتاج الدولة القادرة على أن تسوس حاضرهم وأن تتطلع إلى مستقبلهم، وهذا تعثّر الى حد كبير، وارتكبت في حقه أخطاء وخطايا، ومن كل الأطراف».