وفاء عواد
.. من اعتصام النواب في البرلمان في 22 تشرين الثاني 1943 احتجاجاً على اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي أركان الحكم اللبناني، وصولاً إلى الاعتصام المفتوح للنواب في 7 أيلول 2006، احتجاجاً على متابعة إسرائيل حربها على لبنان، بعد صدور القرار 1701.
المشهد واحد برمزيته، وإن اختلفت الأسماء وتبدّلت الأمكنة.
الأول، بتفاصيله، دوّن في كتب التاريخ. والثاني ينتظر الإجابة عن السؤال الآتي: هل يكتب التاريخ أن اعتصام النواب هو الذي رفع الحصار؟ أم يغفل ذكر أيام الاعتصام الستة باعتبارها كانت انتهازاً لقطف ثمار رفع الحصار؟.
بعيداً من الأبعاد السياسية لقرار فك الحصار، فقد سقط الحصار «المهين» على حدّ تعبير الرئيس نبيه بري. وفكّ «الشتات النيابي» اعتصامه الاحتجاجي مستعيداً حرية افتقدها شكلاً في أروقة البرلمان. وعاد المعتصمون الى ارتداء ملابسهم الرسمية استعداداً لمرحلة جديدة من الحوار المؤجّل.
وإذ نجح الرئيس بري في تقديم المجلس موحّداً في موقفه برغم التباينات الحادة بين كتله، أكدت أوساطه أن الاعتصام كان «إطلالة على جميع برلمانات العالم وكل السفراء الدائمين في لبنان، واستنهاضاً للفعاليات الاغترابية»، مركّزة على ما حمله هذا الاعتصام من رسالة للشرعية الدولية ومجلس الأمن، مفادها أن «لبنان ليس خارج هذه الشرعية».
وفي موقف رافض للتقليل من أهمية الاعتصام الذي «كان له التأثير الكبير في رفع الحصار عن لبنان»، رأى عضو «كتلة اللقاء الديموقراطي» وزير الإعلام غازي العريضي أن الخطوة لم تكن مناسبة لانتهاز الفرصة، محدّداً معالمها بالنقاط الآتية: الحركة السياسية والديبلوماسية والإعلامية الناشطة، تحريك البرلمانات الدولية والعربية، تضامن الاتحادات الدولية لنقابات العمال والملاحين والطيارين، وتوحّد السفارات والجاليات حول موقف واحد وهدف واحد ورسالة واحدة.
وإذ رأى أنّ الكلام عن تقصير الحكومة «ولدنة» و«كلام لا محل له من الإعراب»، شدّد على أن «الحكومة لا يمكن أن تعتصم، وهي تنسق مع الرئيس بـــــري، والوقـــــائع تنــــاقض منطق التقصير».
أما النائب علي بزي من كتلة «التنمية والتحرير» فأكد أن الرئيس بري «استطاع جمع الشتات النيابي بعد افتراق ووحّدهم أمام الحصار»، مشيراً إلى أن الاعتصام كان «خطوة سيادية ووطنية لبنانية بامتياز ».
وفي تقويم لمبادرة الرئيس بري، رأى عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله أن الاعتصام كان «رسالة وصرخة الى المجتمع الدولي الذي لم يستطع أن يحمي القرار 1701». وعبّر عن ارتياحه الى المناخ الإيجابي الذي أحدثه الاعتصام بين النواب على اختلاف كتلهم، وأمل فضل الله أن ينعكس المشهد لاحقاً على مجلس الوزراء، «لكن التمني يحتاج الى وقائع».
وأشار نائب «كتلة التغيير والإصلاح» نبيل نقولا الى أن الاعتصام «لم يكن له دور ضاغط على الخارج مباشرة»، بل كان «ضغطاً داخلياً على الحكومة اللبنانية»، معتبراً أن فك الحصار «جاء تلبية لعدم إحراج الحكومة أكثر»، وهي التي «كانت تريد إطالة مدة الحصار».
ورأى نائب تيار «كتلة المستقبل» سيرج طور سركيسيان أن الاعتصام وجّه رسالتين، الأولى «الأهم» كانت الى الخارج «عنوانها الوحدة الوطنية، والثانية كانت باتجاه الداخل عنوانها التضامن».
ولفت نائب حزب البعث قاسم هاشم إلى أن الاعتصام «كان تعبيراً سلمياً ومقاومة سلمية لما كان ينوي العدو الاستمرار فيه».
هذا جزء من المشهد الذي كان عليه المجلس في اليوم الأول بعد فك الاعتصام. «الواجب الوطني» بالاعتصام انتهى محققاً انتصارات، أبرزها «تعطيل المشاريع الإسرائيلية في اللعب على التناقضات الداخلية» حسب الإجماع النيابي. وفي انتظار «استراحة المعتصمين»، تبقى الأسئلة معلّقة إلى أجل غير مسمّى: هل يسمع العالم مجدداً الصوت النيابي موحداً في وجه الآتي؟ وهل يبقى المجلس «موقع الدفاع اللبناني وخطه» في مواجهة أي حصار؟.