strong>في ظل الانقسام الحاد بين القائلين بحكومة إتحاد وطني والرافضين لها خوفاً على حكومة قادرة على اتخاذ القرارات في هذه الفترة المفصلية، يرى سيد بكركي أن المطلوب اليوم إتحاد وطني تعمل على تحقيقه جهة موثوق بها من طرفي النزاع تتولى التفاهم على جملة أمور من بينها حكومة إتحاد وطني للخروج من المأزق الحالي الذي يهدد الاستقرار السياسي في البلدحاوره أنطوان سعد


¶ كيف تقوّمون الانتقادات التي وجهت الى النداء السابع لمجلس المطارنة الموارنة؟
لم تصلني انتقادات كثيرة على النداء إلا من بعض الأفراد، أما الانطباع العام فهو أن النداء الذي أصدرنا كان موضوع تقدير من جهات مختلفة.

¶ ثمة جهات في قوى الرابع عشر من آذار ترى أن النداء تبنّى وجهة نظرها.
لم يتبنّ النداء السابع وجهة نظر أحد، بل إنّنا انطلقنا من الواقع الذي نعيش فيه وقد وصفناه كما هو.

¶ قام نداء المطارنة على فكرتين أساسيتين: الأولى فقدان المشاركة والثانية فقدان منطق سيادة الدولة. ألا ترون أن كل طرف يحاول أن يأخذ ما يناسبه منه ويتجاهل الشق الآخر؟
كل طرف يقرأ النداء، أو غير النداء، من جهته الخاصة أو خلفياته. نحن حاولنا أن نطلق نظرة نقدية إلى الواقع اللبناني، وقلنا إن الوضع غير مستقيم وإنه يجب أن تستقيم الأمور، وهي لا تستقيم إلا إذا شارك كل اللبنانيين في إصلاح الخلل الذي وقع فيه البلد. وقلنا إن كل الطوائف، كبيرة كانت أم صغيرة، يجب أن يكون لها مكانها في الحياة السياسية في لبنان وأن يتشارك جميع الناس في أمور الشأن العام، وهذا ما ليس متوافراً عندنا اليوم.

¶ هناك طرف يقول إن طلب المشاركة هو لجعل الحكومة عاجزة عن اتخاذ القرارات المهمة، وطرف آخر يشدد على أن الأمور في لبنان لا تستقيم طالما أنْ لا مشاركة لجميع الفئات، كيف يمكن الخروج من هذا المأزق بأسلم طريقة؟
نحن قلنا إن جميع الطوائف اللبنانية شبه موحدة إلا الموارنة والمسيحيون فهم مشتتون لا يجمعون رأيهم على شيء أو على أحد. نحن نرى هذا التشتت ولا نرتاح إليه لأنه يضعف المسيحيين. يجب أن يكون في السلطة توازن، وهذا التوازن أصبح مفقوداً لأن هناك من هم فاعلون وهناك من ليسوا بفاعلين. طلبُ تأليف الحكومة كثيرون يقولون إنه يدخل البلد في مغامرة لأنهم يتخوفون بعد استقالة الحكومة من عدم التمكن من تأليف حكومة جديدة نظراً الى الوضع الذي نحن فيه. يجب أن يكون هناك توازن في السلطة وفي رأس الهرم، إذا صح التعبير، بحيث يكون جميع المسؤولين في البلد فاعلين. وهذا لا يرى كثيرون أنه قائم لأن قسماً كبيراً من اللبنانيين ومن غير اللبنانيين وبخاصة من المسؤولين الدوليين، لا يعتبرون رئاسة الجمهورية قائمة وهذا خلل كبيرهل تخشى تداعيات الانقسام الحاد الحاصل بين الطرف الداعي إلى تأليف حكومة اتحاد وطني والطرف الذي يرفضه خوفاً من فقدان قدرة اتخاذ القرارات المهمة؟
هذا الانقسام ليس علامة صحة في البلد، يجب أن يحصل تفاهم بين الطرفين بعدما مر لبنان بأزمة خانقة وبعدما حصل ما حصل من تدمير وسقوط ضحايا. الظرف يقتضي أن يتوافق اللبنانيون على إنهاض بلدهم وأن يجمعوا على ذلك متعاونين ومتساندين.

¶ قيل إن النداء السابع للمطارنة تجاهل ما قامت به إسرائيل ضد لبنان، فما هو تعليقكم؟
نحن أشرنا إلى إسرائيل، وإلى ما قامت به، غير مرة سابقاً، وعملنا ما في وسعنا أثناء الحرب الأخيرة للمشاركة في عملية استقبال النازحين ومساعدتهم. واتخذنا العديد من المواقف المنددة بالعدوان، إنما كان لهذا النداء غرض واضح ونحن عرضناه، ومن راجعه يرى أن همنا الأساسي كان الدعوة إلى إعادة التوازن في البلد وإعادة اللحمة بين جميع اللبنانيين.

¶ أخذ البعض على النداء المبالغة في تحميل المسيحيين والرئيس الراحل كميل شمعون مسؤولية أحداث عام 1958 بغية إظهاره متوازناً. هل هذا صحيح؟
نحن لم نحمّل أحداً أو شخصاً بعينه أي مسؤولية إنما أردنا أن نقول إن جميع الطوائف قامت بأدوار غير مفيدة للبنان، وإنه كلما انفردت طائفة في أخذ القرار بمعزل عن الطوائف الأخرى، جرّت البلد إلى كارثة. لسنا في الحقيقة في نداء المطارنة الموارنة السابع في وارد سرد وقائع تاريخية، أو إجراء دراسة تاريخية عن الأحداث التي جرت في لبنان وعن خلفياتها، لكننا أردنا أن نلفت، عبر بعض الأمثلة من تاريخ لبنان المعاصر، إلى خطورة أن تنجر طائفة إلى واقعة ما وتجر معها كل الطوائف، بدءاً بالموارنة مروراً بالسنّة وانتهاءً بالشيعةعلّق بعض السياسيين على أن النداء السابع أعاد فتح موضوع إجراء تبديل في رئاسة الجمهورية فهل كان هذا ما قصده النداء؟
نحن استعرضنا الأحداث التي وقعت خلال السنة الفائتة. وقلنا إن رئاسة الجمهورية أصبحت غير فاعلة في الظرف الذي نحن فيه، لذلك قلنا في نداء المطارنة إن هذا الأمر تجب معالجته. وكان قد سبق لنا أن قلنا إن على من يملأ مركز رئاسة الجمهورية أن يرى إذا كان وجوده في سدة الرئاسة فاعلاً أم لا، وعليه أن يأخذ القرار المناسب، وفي النداء كررنا تقريباً الأمر نفسه. لسنا نحن من فتح الحوار من جديد حول مسألة رئاسة الجمهورية، بعض القوى السياسية لم يقفل هذا الموضوع أصلاً.

¶ في المرة السابقة فتح موضوع تنحية رئيس الجمهورية ولم تكن الظروف ملائمة لذلك، فهل ترون أن الظروف تبدلت، وأنه قد بات من الممكن مقاربة هذه المسألة الشائكة والوصول إلى تغيير على مستوى رئاسة الجمهورية؟
لا يمكنني أن أجزم. اليوم تبين أن مجمل السلطات غير اللبنانية تقاطع رئيس الجمهورية وهناك كثيرون من اللبنانيين يقاطعونه، وهذا مؤذ للرئاسة وللسلطة اللبنانية ككل. المسيحيون يشعرون بأنهم في هذا الوضع غير ممثلين لذلك قلنا إنه تجب معالجة هذا الأمر. الظروف الإقليمية لا تزال هي هي، فالرئيس معروف أنه يعتمد على قوى تسانده لكن هناك قوى أخرى لا تزال تعارضه. عندما كانت هناك نية في التوجه إلى القصر الجمهوري والتجمهر لعزل رئيس الجمهورية، إذا صح التعبير، كنا ضد هذه الفكرة، وقلنا إنها تدخل البلد في مغامرة مجهولة العواقب، وقد تتسبب بمجزرة. وقلنا إن في البلد قوانين يجب تطبيقها، فإذا كانت تجيز تنحية رئيس الجمهورية فليكن. وإذا كانت لا تجيزها فعلينا التقيد بهذه القوانين. والآن نحن نقول تقريباً القول ذاته. الرئيس يعرف إذا كان وجوده مضراً للبلد أم مفيداً له وعليه أن يأخذ بنفسه القرار.

¶ في ظل عدم إمكان حصول تبديل على مستوى رئيس الجمهورية، هل ترى حاجة إلى تأليف حكومة وفاق وطني بانتظار نهاية العهد الحالي، أم البقاء على هذه الحال حتى ذلك الحين؟
إن حكومة اتحاد وطني لا تصح إلا إذا توافرت لها الشروط المطلوبة. وفي الوقت الحاضر كثيرون يرون أنه إذا استقالت الحكومة فقد يتعذر تأليف حكومة أخرى.
¶ ما هي نصيحتكم للخروج من هذا المأزق وما هي المبادرة التي قد تنقذ الوضع من التشنج؟
نحن نقول إن الحكومة تقوم بما عليها من واجب، ولكن هناك بعض اللبنانيين الذين يبدون عدم رضاهم عن أدائها. يجب أن نتأكد من أن الحكومة إذا استقالت يمكن إذّاك تأليف حكومة ترضي جميع الأفرقاء، يجب أن يكون هناك اتحاد وطني لكي يؤلف حكومة ولكن هذا مفقود حتى الآن.

¶ هل يمكن أن تقوموا بمبادرة في هذا الاتجاه التوفيقي بين الطرفين؟
أنا لست رجل سياسة لكي أقوم بهذا الدور.

¶ ثمة من يعتقد بأن على البطريرك الماروني أن يقوم بدور على مستوى رعاية تجمع سياسي مسيحي مشابه للقاء قرنة شهوان يعمل على توحيد القوى المسيحية أو بلورة موقف مسيحي موحد بالحد الأدنى في ظل انقسام الأحزاب والقيادات المسيحية. هل أنتم على استعداد للتفكير مجدداً في مثل هذا التجمع ومعاودة هذه التجربة؟
لا، لا، لأن هذا التجمع أنشئ وانفرط عقده. اليوم الوضع مختلف جداً عما كان عليه في السابق، هناك رجال سياسة يتدبرون الأمر.

¶ كيف تقوّم الخطوات الأولى لانتشار الجيش اللبناني في الجنوب؟
نحن حيّينا الجيش اليوم مثلما حييناه قبلاً، وهذه الخطوة جيدة لأن الجيش ظل ما يقارب ثلاثين سنة بعيداً عن الحدود، وكان هناك من يقولون إن ذهاب الجيش إلى الجنوب معناه حماية إسرائيل وهذا ليس بصحيح. لقد تبين أن وجود الجيش يجب أن يكون على جميع الأراضي اللبنانية.

¶ هل تشعر باستياء من جراء أنه لم يرسل الجيش اللبناني إلى الحدود، كما تطالب منذ عام 2000، إلا بعد حصول هذه المآسي، وأنه كان يمكن تفاديها لو أرسل قبلاً؟
هناك من يقول إنه ربما كنا تفادينا وقوع هذه المآسي.


لم تتعب السنوات الست والثمانون البطريرك السادس والسبعين للكنيسة المارونية. لا يزال متوقد الذهن، سريع البديهة، حاضراً لكل شاردة وواردة ومتمتعاً بكامل نشاطه ورشاقته. يطلع على كل الإصدارات الجديدة من كتب وجرائد ويسأل عما لم يرده. البطريرك صفير رجل سر، يتقن فن التكتم ومطلع على الكثير من خفايا الحياة السياسية التي يتابعها عن كثب منذ 50 عاماً. قارئ جيّد يأخذ وقته في تكوين اقتناعاته من غير أن يرى لزاماً عليه أن يعلن ما يعرف.