أطل الشاهد الملك والمشتبه به في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري محمد زهير الصديق من على شاشة الفضائية “العربية” أول من أمس ووزع اتهاماته يميناً وشمالاًعمر نشابة

تطرح إطلالة محمد زهير الصديق على شاشة "العربية" جملة أسئلة في الشكل قبل المضمون: جاءت بعد يوم واحد من تقديم مستشار الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال مسودة المحكمة الدولية، وقبل أيام قليلة من التقرير الجديد للجنة التحقيق الدولية. فيما تخضع الفضائية نفسها لنفوذ الفريق الراعي لقوى الأكثرية في لبنان.
أما ما تجدر الإشارة اليه في شأن الصديق فهو أن التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية ينصّ في الفقرة 104 على ما حرفيته: "زوّد شاهد آخر، صار في ما بعد مشتبهاً فيه، وهو زهير بن محمد سعيد الصديق، اللجنة بمعلومات مفصلة عن الجريمة، ولا سيما في ما يخص مرحلة التخطيط"، وبالتالي فإن سلطات التحقيق الدولية تعتبره رسمياً "مشتبهاً فيه" في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
في المضمون: يبدو أن الصدّيق يحاول تحييد السعودية عن التحقيقات الجارية وعن أي دور قامت به خلالها، وهو أكد مراراً أن السلطات السعودية لم تكن تعلم أنه ضابط مخابرات سوري، وأنه لم يلتق أي مسؤول سعودي خلال إقامته في الرياض أو باريس، وأنه دخل السعودية بجواز سفر عادي وبتأشيرة صادرة عن السفارة السعودية ومكث في بيت شقيق زوجته سعيد الغصيني، وأنه انتقل الى فرنسا عندما شعر بـ"الخطر" في السعودية. واختار فرنسا لأن فيها "نظاماً قضائياً عادلاًويناقض كلام الصديق اعترافه بالاتصال بالرئيس السابق للجنة التحقيق ديتليف ميليس، إذ أدلى بإفادته الى لجنة التحقيق في السعودية قبل سفره الى باريس. والسؤال هو: هل يمكن أن تحقّق لجنة دولية مع شخص موجود على الأراضي السعودية من دون معرفة السلطات السعودية؟ أما عن موضوع "الخطر" الذي تحدّث عنه فهو مستغرب، إلا إذا كان قصده خطر تسليم السلطات السعودية أي مشتبه فيه الى السلطات القضائية اللبنانية عملاً بالأصول القانونية واحتراماً للعلاقات اللبنانية ـــ السعودية المميزة وحرصاً على سلامة التحقيق لكشف الحقيقة.
ويبدو أن الصديق على علاقة وثيقة ومستمرّة بالسلطات الفرنسية وبالمخابرات الفرنسية خصوصاً. إذ إنه ذكر أنه اتصل بالسلطات الفرنسية وبالأمن الفرنسي لمراقبة هاتفه وتسجيل المخابرات الهاتفية التي تصله. ولدى سؤاله عن سبب عدم تسليمه للقضاء اللبناني تحدّث عن موقف السلطات الفرنسية وكأنه متحدّث باسمها، فقال أن لا اتفاقية تبادل موقوفين بين فرنسا ولبنان، وتابع أنه يُعتبر شاهداً وليس مشتبهاً فيه، مناقضاً ما ورد في تقرير لجنة التحقيق الدولية.
ومن المستغرب أن تسمح السلطات الفرنسية بظهور مشتبه فيه في تقرير أقرّ مضمونه مجلس الأمن، من أراضيها على شاشات التلفزيون ليدلي بتصريحات عن التحقيق قبل الانتهاء منه. ومن المستغرب أصلاً أن لا تسلّم فرنسا القضاء اللبناني الصديق حتى اليوم وخصوصاً بعدما نشر التقرير الأول للجنة التحقيق والذي ينصّ في الفقرة 112 "في 27 أيلول/ سبتمبر اعترف السيد الصديق في وثيقة خطية بأنه شارك في مرحلة التخطيط المباشرة التي سبقت الاغتيال".
وجه الصديق اتهامات الى جهات عربية غير سوريا بأن لها علاقة بجريمة اغتيال الحريري إذ قال عندما سئل عن مرتكبي الجريمة ودوافعها “إن الذين قتلوا الحريري هم في السجن” وهناك غيرهم شاركوا في الجريمة ومنهم شخصيات عربية و"بخاصّة سوريّة". وبالتالي لم يقتصر الأمر على السوريين كما كانت الحال في كلام أدلى به سابقاً. كما قال إن هناك نواباً سابقين شاركوا في عملية الاغتيال، ولم يقتصر الاتهام على النائب السابق ناصر قنديل كما هي الحال في إفاداته السابقةووعد الصديق بمفاجآت ستظهر تباعاً في مجرى التحقيق، وأكد أن في حوزته وثائق وصوراً "لا تقبل الشك" عن سيارة الميتسوبيشي التي شاهدها في معسكر الزبداني، كما أعلن امتلاكه تسجيلاً لضابط سوري اتصل به عارضاً عليه مخرجاً بإعلانه أن قوى 14 آذار طلبت منه الإدلاء بهذه الادعاءات في مقابل عفو سوري عنه ومعاملته كـ"بطل قومي". وحاول الصديق بثّ التسجيل من هاتفه النقال لكن الصوت لم يكن واضحاً. وادّعى أيضاً امتلاكه أدلة تكشف ممارسة المخابرات السورية ضغوطاً على أفراد عائلته لإجبارهم على الإدلاء بتصاريح معيّنة، وقد سلّم هذه الأدلة للجنة التحقيق. وأبرز بطاقة هوية سورية تحمل تاريخ 12 ــ 5 ــ 2005 أي بعد وقوع عملية الاغتيال بثلاثة أشهر.
ولدى سؤاله عما إذا كان قد أنجز صفقة مالية أجاب مبتسماً، مشبهاً حالته بحالة نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، فقال إن الأخير كان يسرق ولم تحرك السلطات السورية ساكناً، ولكن عندما انقلب عليهم بدأت الاتهامات. لكن اللافت أنه لم ينكر الصفقة.
وكرّر الصديق اتهام الضباط الأربعة الموقوفين بتنفيذ الجريمة بأمر من الرئيسين بشار الأسد وإميل لحود. مبدياً استعداده لمواجهة الضباط شرط أن تُسحب مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من القضاء البناني. ولم يذكر أو يعلّق على الكلام الذي ذكر في تقرير اللجنة الدولية والذي يسميه "مشتبهاً فيه".
والجديد ادعاؤه أن أحد أسباب الاغتيال الأساسية هو معرفة الرئيس رفيق الحريري بأسرار خطرة لأنظمة عربية بما يهدد وجودها، ولم يحدد سوريا حصراً.
وأخيراً لا بد من الإشارة مجدداً الى الفقرة 27 من تقرير لجنة التحقيق الدولية الثاني (10 كانون الأول 2005): "تقدم السيد الصديق الى اللجنة في البداية كشاهد سري لديه معلومات تفصيلية عن اغتيال السيد الحريري (أنظر 662/ 2005/ S، الفقرات 104 - 116).استناداً الى إفادات أدلى بها أمام اللجنة، تقرر بعد ذلك اعتباره مشتبهاً فيه في ما يتصل بالتحقيق (أنظر 662/ 2005/ S، الفقرة 112). وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2005، صدر أمر دولي بتوقيف السيد الصديق، الذي كان يقيم في فرنسا، بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية التي طلبت أيضاً تسليمها إيّاه. وقد ألقت الشرطة الفرنسية القبض على السيد الصديق في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2005. ومنذ ذلك التاريخ، قدمت اللجنة، من خلال الحكومة اللبنانية، طلبات الى السلطات الفرنسية للحصول على إذن باستجواب السيد الصديق، الذي لا يزال محتجزاً في فرنسا. وتتخذ حالياً ترتيبات مع السلطات الفرنسية من أجل إجراء هذا الاستجواب." وبالرغم من ذلك ما زالت السلطات الفرنسية ترفض تسليمه حتى اليوم!