أكّدت أوروبا الدفاعية حضورها في لبنان بتأليفها العمود الفقري لقوة اليونيفيل المعززة. لكن دول الاتحاد الأوروبي تواجه تحدياً جديداً يتمثّل في إثبات أن دور الاتّحاد السياسي في الشرق الاوسط ليس ثانوياً.فللمرة الأولى في تاريخ مهمات الامم المتحدة، يقدّم الاتحاد الأوروبي مساهمة عسكرية بحجم القوات التي ينشرها في لبنان، اضافة الى تأمينه نصف العتاد التابع لقوة الامم المتحدة في هذا البلد. ويمثّل وصول دبابات «لوكلير» الثلاثاء الى مرفأ بيروت، وهي افضل ما تملكه القوات البرية الفرنسية من عتاد، رمزاً لاستعراض القوة الاوروبي.
ويعلق أليساندرو بوليتي الخبير العسكري الايطالي المعروف: «في تموز الماضي قال مسؤول عسكري في بروكسل، إن اوروبا تملك فائضاً من التجهيزات العسكرية قياساً إلى ضعفها السياسي، لكنني ارى اليوم أن إرادتها السياسية كبرت وأظهرت أن (الاتحاد) يستطيع التحرك بسرعة». والواقع أنه منذ اتخاذ قرار ارسال قوة للامم المتحدة الى جنوب لبنان في منتصف آب الماضي، سارعت دول، منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، الى دعم تأليف قوة يمكن أن يناهز عددها 15 الف عنصر، فيما تكفلت المانيا تقديم وحدات بحرية.
ويتمثّل التحدّي التالي في إثبات نفوذ سياسي في مواجهة الهيمنة الاميركية في الشرق الاوسط، بعدما اقتصر دور الاتحاد الاوروبي طوال عقود على تقديم مساعدات مالية.
ويقول رئيس مؤسسة «روبير شومان» جان دومينيك غولياني: «يبقى على أوروبا الآن أن تثبت قدرتها على أداء دور شامل من الناحية السياسية». ويرى المحللون أن الظروف مؤاتية لتحلق اوروبا في الفضاء الشرق الاوسطي بعدما أخلاه الاميركيون المشغولون في العراق وأفغانستان.
ويوضح بوليتي أن «اوروبا استطاعت أن تنفّذ تدخلاً مماثلاً في لبنان ليس فقط لأن الولايات المتحدة خسرت الحرب في العراق، بل لأن الاميركيين يرون منذ زمن طويل، أن الشرق الاوسط منقسم بين الخليج الذي يستقطب اهتمامهم والمشرق، أي لبنان وسوريا والأردن، الذي لا يهمهم».
وأكبر دليل على ذلك أنّ «هناك 130 الف جندي أميركي في العراق في مقابل خلو لبنان من اي جندي». وفي رأيه، يبقى أمام أوروبا أن تتخلّص من «أسواقها الهامشية»، أي حلولها محل حلف شمالي الاطلسي في البوسنة مع نهاية عام 2004 وتنفيذها بنجاح، عام 2003، مهمة «أرتيميس» في جمهورية الكونغو الديموقراطية. ويقيم الخبير الايطالي مقارنة مع العملة الاوروبية التي تنافس الدولار الاميركي في الاسواق الدولية فيقول: «الامر يشبه اليورو، البعض رآه مشروعاً وهمياً، لكن العالم يتساءل اليوم عن المساحة التي سيحتلها في مقابل الدولار».
ويىر تيمور غوكسيل، المتحدث السابق باسم قوة الامم المتحدة في لبنان، أنّ ضخامة الوسائل العسكرية المستخدمة «تساهم في اضفاء هيبة على القوة»، لكن هذا الامر لا يعكس، برأيه، تبدلاً جذرياً في المنطقة. ويقول في هذا الصدد «إنّه تحرّك محدود، ولا أعتقد انه سيؤدي الى تغييرات كبيرة في الموقف الاوروبي في الشرق الاوسط».
من هنا، يدعو الخبراء الدول الاوروبية الى تعزيز وحدتها للاضطلاع بدور يوازي طموحاتها وثقلها الاقتصادي.ة ويقول بوليتي «لن تصبح اوروبا فريقاً يحسب له حساب في الشرق الاوسط الا عندما تنتهج السياسة نفسها التي انتهجتها في الاقتصاد وتتكلم لغة واحدة». أما غولياني الناشط الاوروبي، فيلفت الى أن تدخلاً مقبلاً تحت راية الاتحاد الاوروبي هو فقط مسألة وقت، و«سيتحقق حين تدرك الحكومات اخيراً ما ينتظره منها الرأي العام لدى شعوبها».
الى ذلك، واصل عناصر قوة الامم المتحدة المعززة استعدادهم للانتشار في جنوب لبنان ولمباشرة عمليات تعطيل الالغام والقنابل العنقودية الاسرائيلية. ووصلت إلى مرفأ بيروت أول من أمس، البارجة «لافورد» التابعة للقوات البحرية الفرنسية. وتحمل البارجة 300 عنصراً من القوات الفرنسية إضافة الى 140 آلية بينها شاحنات وتجهيزات ومعدّات عسكرية. وأشار قائد السفينة الاميرال زافييه ماثيو، الى أن البارجة تنقل المعدّات والتجهيزات اللازمة للقوات الفرنسية التي ستصل لاحقاً الى لبنان للمساهمة في قوات الامم المتحدة.
تجدر الإشارة الى أن نحو 3500 جندي من قوة اليونيفيل المعززة انتشروا حتى الآن في لبنان، يضافون الى ألفي جندي كانوا منتشرين قبل شن الهجوم الاسرائيلي.
(أ ف ب، وطنيّة)