عند دخولك قصر عدل بعلبك تطالعك لوحة أثقلها غبار القصف لدرجة أنك تكاد، وبصعوبة، تفك رموزها وتدرك أنه كتب عليها «العدل أساس الملك».

عبادة كسر ونقولا أبو رجيلي

علقت منذ فترة وانسحبت عدلاً ومساواة بين أروقته وامتدت إلى حرمان عصف بالمدينة قلباً وقالباً طال كل القطاعات، فغابت بعلبك طويلاً عن الاستراتيجيات التنموية وعدالة الانماء، بما فيها تلك المتعلقة بإلإدارات اللامركزيةافتتح قصر عدل بعلبك عام 1992، في مبنى مستأجر من آل عواضة على طريق رأس العين، مكون من 4 طبقات مصممة للسكن وللاستثمار مكاتب وعيادات. ويصادفك عند مدخله الطبقة الأرضية التي تقع فيها «نظارة قصر العدل» التابعة لمخفر الدرك الذي يوفر حراسة المبنى، وحيث يُوقّف الذين يُنقل قسم منهم إلى المحاكم، وقد جُهّز حديثاً بجهاز مراقبة إلكتروني عند المدخل.
لحظة دخولك من باب «القصر» يستقر نظرك على غرفة المحامين التي أصابتها الغارات الإسرائيلية، والتي ستتولى نقابة المحامين إعادة ترميمها على نفقتها الخاصة، حسب ما أفاد مفوض النقابة في بعلبك المحامي دريد ياغي «الأخبار». وفي الطبقة الأخرى «للعدلية» في بعلبك، تجد غرفاً للقضاة والموظفين ومحاكم الاستئناف، ومحكمة الجزاء. أما الطبقة الرابعة والأخير فما زال قيد التجهيز. ويؤكد ياغي أن الدولة تدفع ما يقارب 50 ألف دولار سنوياً قيمة بدل الإيجار، بما فيها إيجار الطبقة الرابعة... الفارغة.
إبان العدوان الإسرائيلي على بعلبك، استهدف محيط «قصر عدل بعلبك» بثلاث غارات جوية، أو بتسعة صواريخ سقطت وانفجرت على بعد 4 أمتار، ما أدى الى إصابة «القصر» بضرر كبير ووقوع خسائر فادحة، بعد أن شل العمل فيه طوال أيام العدوان الذي صدّع بعض الجدران وحطم كل النوافذ الزجاجية، وخلع القوس والأبواب الخشبية. وبعد عودة «الهدوء» ووقف إطلاق النار، انتشر موظفو «عدلية بعلبك» في «القصر»، وباشروا تنظيف مكاتبهم التي يعلوها الغبار، وشاركتهم القوى الأمنية في إزالة ما استطاعوا من الركام والحجارة.
واللافت انه لم يتمكن القضاة من التحدث عن «قصر العدل» في بعلبك، وما أصابه خلال العدوان الاسرائيلي من أضرار وخسائر، لأنهم «غير مخولين». وحتى اللحظة لم يتحرك اي مسؤول لاعادة الروح الى قصر عدل بعلبك، فالوجوه الرسمية بإداراتها غابت كلياً باستثناء لجنة مؤلفة من شخصين يرأسها الموظف في وزارة العدل علي سلوم بتكليف من وزير العدلولا يمكن وصف الفترة التي تليت وقف إطلاق النار إلا بـ«فترة خمول رسمي»، إذ لم يبادر أحد الى القيام بأي خطوة. فكل ما يجري في قصر عدل بعلبك من تنظيف ورفع الركام يتم بمبادرات لا علاقة لوزارة العدل فيها، حيث استُخدم عمال (أجراء مياومون) لإنجاز الأعمال، بالتعاون مع بلدية بعلبك التي ساعدت بما تستطيع من عمال ومعدات متوافرة لديها لرفع الأنقاض وفتح الطرق المؤدية الى القصر، ولم يتوان الدفاع المدني عن القيام بدوره بتزويد «القصر» بالمياه لإزالة الغبار. وعلمت «الأخبار» ان حزب الله تكفل إعادة ترميم قصر العدل، لكن الجهات الرسمية لم تعط رأيها بعد في هذا الشأن، وتشير المعلومات الى ان «الرفض» سيكون الجواب النهائي.
ويقول احد الاشخاص داخل قصر العدل : «إن موظفي قصر العدل، وبشكل أولي، قاموا بمسح الأضرار التي بلغت قيمتها، وفقاً لتقديرات شخصية، 10 آلاف دولار. إلا أن اللجنة الرسمية المكلفة مسح الاضرار أعلنت أن قيمة الأضرار تفوق 25 ألف دولار.
وتشير المعلومات الى انه في اليوم الأول من القصف الاسرائيلي الذي استهدف محيط قصر عدل بعلبك بغارات جوية متتالية، تحطم باب «غرفة الأمانات» التي تحوي مضبوطات وملفات قضائية، فسارعت بلدية بعلبك مع مجموعة من المحامين الى وضع قفل حديدي و«تلحيم» الباب المكسور حفاظاً على الموجودات ومحتويات «الأمانات».
وحتى الآن لا أحد يعرف ما إذا كانت هناك «ملفات» قد أُتلفت أو تضررت أو «فقدت». حتى الآن، لم يفتح الباب ولم يصار بعد إلى إجراء «جردة» تفقدية لأن ذلك يتطلب أمراً من النيابة العامة. وطال الدمار غرفة «الجزاء» بشكل جزئي، وتلفت بعض الملفات حرقاً، غير أن معنيين في قصر العدل يؤكدون ان كل الملفات محفوظة باستثناء بعض محاضر «الجزاء».
ويرى عضو بلدية بعلبك المحامي أنطوان ألوف أن «مبنى قصر العدل لا يستوفي الشروط القانونية، لكونه منشأً على أماكن أثرية، وليس لديه ترخيص قانوني»، مشيراً الى «أن وقوع المبنى في منطقة سكنية مأهولة يعوق تحرك موظفي القصر والقضاة والمحامين والمواطنين، وأن مواقف السيارات غير متوافرة ما يعوق العمل ويهدر الوقت».
وأعرب عدد من المحامين عن رغبتهم في «أن يبادر القضاة الى عقد جلساتهم في القاعات المخصصة لذلك، أي على القوس بدلاً من عقدها في مكاتبهم، حفاظاً على هيبة القضاء، وأن يترافق ذلك مع ورشة للإسراع في ترميم ما دمرته اسرائيل في هذا الصرح».
التباطؤ في عملية ترميم قصر عدل بعلبك، يقلق المحامين الذين بدأوا يتوجّسون من هذا التأخر غير المبرّر رسمياً. ويقول المحامي جاد رزق الذي كان يتفّقد قصر العدل «إن التأخر في عملية الترميم وإصلاح ما خلّفه العدوان من أضرار في القصر زاد ويزيد من تشرد المواطنين الذين عانوا الويلات من العدوان، وكأنه لا يكفيهم ما حلّ بهم من خراب ودمار حتى تأتي الدولة وتزيد من مشاكلهم ومآسيهم جراء تأخر البتّ بحقوقهم وقضاياهم العالقة أساساً في قصر العدل منذ سنين...»!



«سمسرة»