إبراهيم الأمين
لن يتأخر الوقت حتى يعرب وليد جنبلاط عن فرحته بما أعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. هو ليس مسروراً بمضمون الكلام لكنه سيكتفي بالشكل، أي سيقول انه نجح في استدراج حزب الله، ونصر الله بالتحديد، الى المعركة الداخلية. وجنبلاط يعتقد انه سوف ينجح الآن في العودة الى لعبته القديمة أي الطلب الى صغاره من جناحي اليسار واليمين في “التيار الجنبلاطي” لأن يستعدوا لحملة ردود هدفها العودة سريعاً الى سؤاله الثقيل كظله: إلى أين؟
لكن جنبلاط لم يعد مهماً في هذه المعادلة، ولا البقايا من مثففي المجالس الروحية. والسؤال الرئيسي صار الآن على طاولة النائب سعد الحريري ومعه أركان تيار“المستقبل” وأقطابه، حيث النقاش يقوم منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية بقليل، في آفاق العلاقات الداخلية. ومع ان العدوان وسع من دائرة النقاش حول الهوية العربية لهذا التيار، فإن الصراع على “ارث الشهيد رفيق الحريري” كما يقول احد اقطاب هذا التيار يجب ان يكون على “كل الإرث” لا على قسم منه، وان مراجعة لما كان يقوم به الحريري الأب في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان وحربيه القاسيتين عامي 1993 و1996، تكفي لتبيان مسائل كثيرة ابرزها:
اولاً: ان الرئيس الحريري لم يكن موافقاً على كل السياسات المتبعة من فريق السلطة ومن سوريا وحتى من حزب الله. لكنه لم يكن يشعر بأن في مقدور احد في لبنان ان ينتقل الى موقع آخر لمجرد انه خصم لمواقف الآخرين، وان كل من عمل مع الرئيس الحريري وعايشه في تلك الفترة كان يعرف أنه كان يصرف جهداً على مناقشة خيارات المقاومة من جهة، لكنه كان يصرف جهداً اكبر في تحصيل دعم خارجي حقيقي وكانت لديه “ميزة الصبر” أمام الضغوط ولم يحصل ان قبل مرة بتنازلات من شأنها ترك انعكاسات خطيرة على العلاقات الداخلية او حتى على العلاقات مع سوريا.
ثانياً: ان الرئيس الحريري لم يكن يخفي ملاحظاته او اعتراضاته. لكنه كان يتغنى بما تقوم به المقاومة. وهو كرر مراراً أنه لم يكن لينزعج عندما كان يسمع مسؤولين أجانب وهم يعكسون مرارة إسرائيل الناتجة من عمليات المقاومة. وكان يلمس مدى الأذى الذي تلحقه هذه المقاومة بإسرائيل من خلال المطالب التي كان الموفدون الغربيون يلحون عليها. وقد علمته تجربة المفاوضات غير المباشرة التي تولاها هو مع الصليب الأحمر الدولي وحزب الله من أجل تبادل حصل بعد عدوان عام 1996، علمته الكثير في معرفة التفاصيل التي تحفظ الكرامة الى جانب الحق. وهو لم يقبل يومها بالضغط على حزب الله لأجل التنازل وترك الامور تأخذ وقتها قبل التوصل الى نتيجة، ثم أصر على ان يفتح منزل العائلة في مرجعيون لاستقبال الأسرى المحررين الذين خرجوا من منطقة جزين.
ثالثاً: كان الرئيس الحريري يعالج مسألة آثار العدوان بطريقة لا تأخذ في الاعتبار إلا الشروع في توفير متطلبات إعادة المواطنين الى منازلهم وإعمار ما هدمته آلة الحرب. وهو كان يلح على الفرق العاملة معه من الدولة او من الفريق الخاص لأن يكون جاهزاً وأن ينطلق الى العمل بعد دقائق من اعلان وقف اطلاق النار، ثم هو كان يرفض أي عملية ابتزاز للناس بحجة او بغيرها. وهو يعرف انه حصلت مناقشات حادة مع وزراء بينهم رئيس الحكومة الحالي فؤاد السنيورة حول ضرورة تجاوز حسابات الدين في مثل هذه الحالات.
رابعاً: ان تطور النقاش الذي جرى بين الرئيس الحريري وحزب الله ولا سيما السيد نصر الله، كان يأخذ في الاعتبار نقاط التفاهم الحقيقية. ومسجلو محاضر الجلسات من اللأحياء يعرفون نوعية الكلام الذي قاله الحريري عن الآخرين من “قادة الحرب” الذين يسرقون الدولة دون توقف. وهو كان يطالب نصر الله بأن يتجه وإياه الى صيغة لتنظيم امور كثيرة في رأسها ملف العلاقات مع سوريا وإعادة بناء الدولة.
خامساً: ان الحريري الأب كان يظهر خشية كبيرة من توترات داخل الطائفة السنية نفسها، وخصوصاً مع الجماعات الاسلامية، وهو كان على “اشتباك” دائم مع سوريا أو مع بعض حلفائها في لبنان بسبب طريقة التعامل مع المناطق التي ينتشر فيها اصوليون من السنة، ولم يكن يوافق على كثير من الذي يجري الآن.
وإذ يقر القطب المذكور بأن استشهاد الحريري والميل الغالب لدى المقربين منه والمؤيّدين لاتهام سوريا بالوقوف وراء الجريمة قد ترك اثره على مسائل كثيرة بينها الموقف من المقاومة وحزب الله، وذلك من خلفية تقول بأن حزب الله مطالب بموقف خاص من سوريا بعد قتل الحريري، لكن هذا القطب يشير الى ان هناك فريقاً في “التيار” يسعى الى خلق مناخات توتر اضافية لتحقيق اهداف عدة من بينها:
ان فريقاً نيابياً كان الحريري الأب يريد التخلص منه يسعى لإلزام الحريري الابن أن يحفظ له موقعه. وان الامر يتطلب العمل على تعزيز الاستنفار السياسي ولو بصورة مذهبية من اجل منع اي نقاش يأخذ شكل تقييم دور هؤلاء وقدرتهم على القيام بهذه المسؤولية، وخصوصاً بعد المراجعات الاخيرة التي كشفت عن مشكلات كبيرة لا سيما في بيروت والشمال.
ان فريقاً من المقربين جداً، ولا سيما الذين انتقلوا للعمل مع الرئيس السنيورة، يعتبرون ان الحريري الابن يحتاج الى مزيد من الوقت حتى يكون قادراً على تحمل المسؤولية، وأنه لا يستطيع مواجهة “حيتان السياسة اللبنانية” في الوقت الحاضر. ويبدو أن “الصراعات القائمة” بين فريق المستشارين قد جعلت البعض ممن أبعده الحريري الأب لأسباب مختلفة بينها ما هو سياسي بامتياز. ويقول القطب ان هناك الآن من يروّج لسياسات من النوع الذي لم يكن الحريري يترك لأحد من العاملين معه البحث فيه، لا لنقص في الثقة بل لشعوره بأن هناك من يريد أخذ الامور الى حيث لا يجب.
ويلفت القطب الى ان هذا النقاش وإن كان يدور ضمن حلقات ضيقة ولم يخرج الى العلن بصورة كبيرة بعد، إلا أنه الموضوع الاساسي الذي سيفرض نفسه في اللحظة التي يظهر فيها الحريري الابن حماسة لإعادة النظر في كثير من الأمور.