غسّان سعود
المشتركون في شبكة الهاتف الثابت في لبنان لا يستطيعون الحصول على فاتورة مفصلة بمكالماتهم المحلية. لمعالجة هذه المشكلة، قامت هيئة أوجيرو بتقديم دفتر شروط لمناقصة عالمية لتجهيز السنترالات بوسائل تقنية متطورة.<--break--> فازت في المناقصة شركة «بول» (Bull) الفرنسية بعدما استوفت المواصفات الفنية والتعاقدية المطلوبة، وقدمت السعر الأدنى.
تبدو المسألة عاديّة حتّى الآن. لكن ما يجعل منها قصّة مثيرة وخطرة في آن، هو أنّ إحدى الشركات المنافسة لـ«بول» قدّمت مستندات تثبت أنّ الشركة المعاونة لـ(Bull)، وتدعى «كابيرا» (Kabira)، هي شركة تُمول من جهات بارزة في علم التكنولوجيا، أبرزها الشركة الإسرائيلية «ستار فانتشورز» (Star Ventures). ليس دور «كابيرا» ثانوياً في الصفقة، فمن المفترض أن تتسلّم هي السنترال الرئيس في لبنان. أمّا «ستار فانتشورز» فمشكلتها ليست في إسرائيليتها، بقدر ما هي في مجلس إدارتها، وخصوصاً مديرها الاستثماري غاي سيلّا الذي خدم، قبل التحاقه بالشركة، في جيش الدفاع الإسرائيلي لمدة 14 سنة. وكانت مهمته الأخيرة قيادة وحدة التكنولوجيا في مركز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وتقديراً لعمله الممتاز، نال سيلّا أهم جائزة يمنحها الجيش الإسرائيلي في هذا المجال. وبعد مغادرته مركز الاستخبارات العسكرية، خدم سيلّا كمدير مكتب التكنولوجيا في المجلس الاستشاري للأمن القومي الإسرائيلي. وكان عضواً فاعلاً في مكتب مكافحة الإرهاب، كما شارك في مشاريع عدة مع وزارة الدفاع الأميركية. أمّا ران شاهور، الشريك في رأسمال شركة (star ventures)، فخدم، قبل التحاقه بالشركة، في جيش الدفاع الإسرائيلي لمدّة 25 سنة، حيث شغل منصب جنرال مساعد في وحدة الاستخبارات. وخلال السنوات الخمس الماضية، كان السيّد شاهور يعمل في وحدة التكنولوجيا في الجيش الإسرائيلي، وكان مسؤولاً عن إدارة قسم مهم جداً في دائرة الأبحاث والتطور التابعة لأعمال جيش الدفاع الإسرائيلي. وقبل ذلك، خدم كسكرتير عسكري لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي تدعم فيها (Star Ventures) نشاطاً اقتصادياً في لبنان، بعد أن كانت تركز على الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المتطورة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل. وتبيّن أن (kabira) غير مُسجلة في وزارة الاقتصاد اللبناني، وغير مصرّح عن نشاطها لوزارة المالية.
ويبدو أنّ المدير العام لهيئة «أوجيرو»، المهندس عبد المنعم يوسف، مطّلع على هذه المعلومات، أو أقلّه على بعض منها. إذ إنه أبلغ شركة (Bull) بعدم القدرة على التعامل معها إذا لم تثبت عكس ما ورد في مستندات الشركة المنافسة. فقدّمت الشركة الفرنسية مستنداً موقعاً من وزارة الاقتصاد يُثبت عدم وجود صلة بين (Bull) وإسرائيل. وانتهى الأمر عند هذا الحدّ. فالمدير العام لهيئة «أوجيرو» بدا شبه حاسم لجهة حسم التكليف لصالح (Bull)، علماً أن لجنة البتّ في المناقصة شبه محكومة بقبول طلب الشركة التي تقدم أفضل الخدمات بأقل كلفة. لكنّ المناقصة "- م م – 057/2005 أوجيرو" ما زالت قيد التعميد، ولم يبتّ فيها بشكل نهائي حتّى الآن.
يُذكر أنّ الجامعة العربية كانت أنشأت «مكتب مقاطعة إسرائيل» في دمشق عام 1952 بهدف تنسيق جهود المقاطعة العربية. ويرسل المكتب تقارير شهرية إلى الدول العربية تتضمن أسماء الشركات الإسرائيلية الجديدة (عددها اليوم قرابة عشرة آلاف شركة وفرد). إلا أن الحكومة اللبنانية، كلّفت وزارة الاقتصاد عام 2002 إعادة النظر في «اللوائح السوداء»، والتغاضي عن مخالفات عدّة. ووفقاً للقانون اللبناني، ثمة ثلاثة مستويات للمقاطعة العربية لإسرائيل: المستوى الأول، يحظّر استيراد البضائع والخدمات الإسرائيلية المنشأ. والمستويان الثاني والثالث يُحظران التعامل مع أي شركة أجنبية تربطها علاقات تجارية بإسرائيل. وإذا كان تطبيق المقاطعة بشكل صارم، وخصوصاً على المستويين الثاني والثالث، شبه مستحيل اليوم، فإنّ أقلّ ما يمكن هو التشدّد حيال بعض النقاط التي يشكل الاختراق الإسرائيلي فيها، خطراً سياسياً وأمنياً واستخبارياً. ويبقى السؤال الرئيس: ما الذي يجعل الحكومة اللبنانية تجازف في إطلاع الاستخبارات الإسرائيلية على كلّ تفاصيل المكالمات الهاتفية في لبنان؟