strong>تيمور غوكسيل، الناطق السابق باسم قوات الطوارئ، يعرف الجنوب جيداً ويحفظ عن ظهر قلب قراه وبلداته ودساكره. كيف يرى الى المهمة الجديدة للقوات الدولية بموجب القرار 1701

وفيق قانصوه

يؤكد تيمور غوكسيل أن ما من فارق عملي بين مهمتي قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب منذ 28 سنة وبين تلك المعززة التي تقرر ارسالها وفق القرار 1701 «اذ لا يمكن تغيير مهمة قوات حفظ السلام في أي مكان في العالم. الفارق القانوني هو أن لدى القوات الجديدة حرية أكبر في استخدام القوة إن هي أرادت ذلك. ولكن على أرض الواقع لا فارق جوهرياً. لا شيء سيتغير. القوات القادمة لن تقاتل أحداً ولن تحاول نزع سلاح حزب الله. لا أحد يرسل جنوده الى هنا ليقتلوا».
ويضيف الرجل الذي عمل طويلاً ناطقاً باسم «اليونيفيل»: «في الشكل تبدو القوات الجديدة أكثر قوة وتسليحاً. الفرنسيون جاؤوا بدبابات ومدفعية ثقيلة. بالطبع هذا يثير أسئلة ليس لدى حزب الله فقط، ولكن أيضاً لدى الدول الأخرى المشاركة. الفرنسيون يقولون انهم يريدون أن يبدوا أقوياء، لكن الحقيقة انه في جنوب لبنان ما من شيء يحل بالبندقية. القوات الدولية لن تكون قادرة على القتال ضد أي طرف لأكثر من يوم أو يومين. هل سيأتون بالذخائر من فرنسا أو ايطاليا فيما اسرائيل وحزب الله موجودان هنا؟».
يكاد غوكسيل يجزم بأن «الامتحان لا بد آت لاختبار رد فعل القوات الدولية ورؤية اذا كانت ستستخدم السلاح. لا شك في أن أحداً ما سيخضعهم لهذا الامتحان، ليس بالضرورة حزب الله او اسرائيل مباشرة. أحد ما سيجري هذا الامتحان». وهو يؤكد: «اذا بدأت المشاكل على الأرض، مع الناس لا مع حزب الله، فإن كثيرين سيغادرون سريعاً وفي مقدمهم الفرنسيون».
اذاً، لماذا يصرّ الفرنسيون على اضفاء مظهر القوة على دخولهم؟ يجيب غوكسيل: «هذا ما لا أفهمه. التسويق هنا خاطئ. اذا كنت ذاهباً الى بلد جديد لا يعرف القوات الدولية ولم يختبر التعامل معها، قد يكون من الأفضل الدخول بقوة لإعطاء انطباع بالقوة. لكننا هنا نتعامل مع أناس يعرفون الامم المتحدة جيداً ويعرفون أن القوات الاممية لن تقاتل. يدركون هنا جيداً، أنك اذا كنت ستتصرف ضد مصالحهم فلن يتركوك قوياً». ويخلص الى أن القوات الدولية «ليست هي الحل لمشاكل الجنوب إنما وسيلة لشراء الوقت من أجل ان يحل أحد ما هذه المشاكل. القوات الدولية موجودة هنا منذ 28 سنة ولم تحل شيئاً، والقوات الجديدة قد تبقى 28 سنة أخرى من دون ان تحقق شيئاً. المطلوب حل ليس لمشكلة لبنان فحسب، بل لمشكلة الشرق الاوسط برمته».
كيف يفسر غوكسيل التردد الفرنسي في المشاركة بالقوات الدولية ثم اقتناع باريس برفع عدد جنودها؟ يقول: «انطباعي انهم قرروا بداية الاكتفاء بإرسال 200 جندي بعدما تلقّوا تحذيراً من احد ما من إمكان التعرض لجنودهم. ربما كانوا يبحثون عن ضمانات معينة وحصلوا عليها. لكن ما حدث أيضاً أن الايطاليين قفزوا الى الواجهة فأوشك الفرنسيون أن يخسروا العرض وخصوصاً انهم يعدّون انفسهم المعنيين الرئيسيين عندما يتعلق الامر بلبنان. جاءت المفاجأة الايطالية فشعروا بأن عليهم ان يفعلوا شيئاً وأنه لا يمكنهم ارسال 200 جندي والتفرج على الوضع». لكنه يلفت الى «خطورة الاستعانة، في اي مهمة حفظ سلام، بدول ذات تاريخ كولونيالي او ذات مصلحة سياسية في الدول التي تنشر قوات فيها. كما ان من الافضل دائماً عدم الاستعانة بقوات من الدول الكبرى».
كيف يفسر زحمة الأساطيل في المياه اللبنانية؟ يعتقد المسؤول الدولي السابق بأن أحداً «لم يفكر في الامر والجميع فوجئوا به. كل الدول ترسل سفناً للمراقبة. هناك فوضى إذ لا تحتاج مراقبة الشوطئ اللبنانية الى كل هذه القطع البحرية. يكفي زورقان سريعان». أما سبب هذه الفوضى فهو «ان الأمر حصل بسرعة، والامم المتحدة لم تختبر يوماً المراقبة البحرية، ولا تعرف كيف تتصرف في هذا الشأن. لا أحد يعرف ماذا يفعل. الدول التي تأتي بقطعها البحرية لا تعرف ما هي مهمتها، وهل ستعترض السفن وتخضعها للتفتيش؟ كل هذا لم يتضح بعد». وهو يرى أن «هذه السفن في مهمة لحفظ السلام وليست مكلفة فرض حصار. واذا لم تُدر الامور بدقة، فقد يبدو الامر حصاراً، مما سيثير ردود فعل».
أما مشاركة البريطانيين بقطعة بحرية واحدة في مراقبة الشواطئ، فهي «جزء من البريستيج امام الاوروبيين للقول نحن هنا».
ولكن هل تحول كل هذه المراقبة دون وصول السلاح الى حزب الله؟ الاجابة «لا» من دون تردد. «قد تبطئ وصول السلاح لكنها لن تحول دونه. اذ لا تحصل على السلاح من سوريا وايران فقط. عندما تملك المال لشراء السلاح فإن الامر بسهولة طلب فنجان من القهوة في أحد المقاهي. سوق السلاح هي أكبر «بيزنس» في الشرق الاوسط وهذا ليس أمراً جديداً». لكنه يستدرك: «ما لا أعرفه هو اذا كان حزب الله قد قرر استقدام أسلحة بدل تلك التي استخدمها في الحرب الاخيرة. ما أنا أكيد منه هو أنهم سيستقدمون صواريخ مضادة للمدرعات بدل تلك التي استخدموها والتي أثبتت نجاعتها. أما الصواريخ فلا أعرف».
وردّاً على ما يتردد عن اقامة قواعد للقوات الدولية في الداخل اللبناني، يؤكد غوكسيل انه «لا يمكن اقامة مقار قيادة في الداخل لأن مسرح المهمة ينحصر ما بين جنوبي الليطاني والحدود الدولية. وقد يحتاجون إلى مكاتب في بيروت لتسهيل عمليات التزود بما يحتاجون له من دعم».
هل ترى قوات دولية او مراقبين على الحدود اللبنانية ــ السورية؟ يجيب: «الحكومة اللبنانية قالت انها لا تريد ذلك. القاعدة في حفظ السلام هي أن الدول تتمتع بسيادة على اراضيها، وقرار كهذا يكون في يدها. ما دامت الدولة اللبنانية لا تريد ذلك فلن يحصل ذلك». وماذا اذا أراد لبنان ورفضت سوريا؟ «عندها لا اعلم ماذا ستفعل الامم المتحدة. الأمر لا يحتاج الى اذن سوري. ولكن على الارض بإمكان السوريين ان يجعلوا الحياة صعبة جداً، وهم لمّحوا الى إمكان اقفال الحدود، وعندها لك أن تتخيل ما الذي سيحدث».
المشاركة التركية في قوات «اليونيفيل» المعززة أثارت جدلاً كبيراً في تركيا. يعتقد غوكسيل، التركي الجنسية، بأن «الاتراك يريدون المجيء لكنهم لا يريدون الغرق في مشاكل لبنان ومذاهبه وطوائفه. أعتقد انهم سيركّزون على الامور الانسانية، لذلك سيصطحبون معهم فريقاً مدنياً كبيراً من أجل المساعدة في اعادة البناء». أما الرفض الارمني «فهو طبيعي لأسباب تاريخية وعاطفية. لكنني لا اعتقد بأن الارمن سيفعلون اي شيء ضد لبنان. الامر لن يتعدى الاحتجاج السلمي».
ولماذا قرار ارسالهم رغم المعارضة العارمة لذلك؟ «لأن تركيا تريد الانفتاح اليوم على الشرق الاوسط بعدما ادركت أنه ليس من السهولة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وشخصياً، اعتقد بأن ذلك لن يحدث ابداً. بإمكان تركيا أن تكون دولة قائدة في المنطقة اذا ما عرفت كيف تتصرف. وحتى الآن يتصرف الأتراك بذكاء». وإذا كان القرار التركي سيؤثر في العلاقات مع دمشق، يجيب: «السوريون رحّبوا بالامر عندما زارهم وزير الخارجية التركي عبد الله غول. لا أعلم اذا كانوا يرحبون فعلاً، لكنهم فعلوا. العلاقات جيدة الآن، كما أن سوريا تحتاج الى اصدقاء في المنطقة. ما اعتقده هو أن المشاركة التركية ستؤثر في العلاقات التركية ــ الاسرائيلية سلباً وخصوصــــــاً مع الحكومة الحالية، على رغم العلاقات الجيدة مع الجيش التركي».
هل كانت الحرب الاخيرة آخر الحروب اللبنانية مع اسرائيل؟ لا يتردد غوكسيل في الاجابة بـ «لا. فأنا أعرف المؤسسة العسكرية الاسرائيلية جيداً. وهناك مشكلة جدية داخل هذه المؤسسة اليوم. التفكير الاسرائيلي لا يتحمل ان تكون هناك مجموعة مسلحة كحزب الله لا تخشى اسرائيل».